الأيام: مصداقية الحكومة !!

في زاوية آراء كتب عبد المجيد سويلم مقالا بعنوان: مصداقية الحكومة !!، جاء فيه: الأصل أن تكون الحكومة صادقة، وأن تقدم بياناتها للناس بالضبط كما هي، وبدون أية درجة من التناقض أو التضارب أو التورية أو الإخفاء.

يجوز بالمقابل أن تقدم التفسير الذي تراه مناسباً لها ولسياساتها، ويعود للناس قبول التفسير من عدمه، ويعود للمعارضة في النظام الديمقراطي التعامل مع هذا التفسير بالطريقة التي تخدم برامجها ومواقفها وسياساتها.

من الواضح أن ثمة خللا كبيرا في تقديم الحكومة لأرقام الدين العام ومن الأوضح أن الحكومة لم تكن موفقة في تبرير نشر بياناتها وفي تفسير سحبها من التداول، كما لم تكن موفقة على الإطلاق في قراءة البيانات نفسها بمعزل عن التناقضات المبينة فيها.

الأهم من هذا وذاك ربما هو أن الحكومة تراهن على “الحل السياسي” لسد العجز الكبير في الموازنة ليس لديها بدائل ـ مهما كانت متواضعة ـ لارتهان سد العجز بالحل السياسي وهو أمر ينطوي على خطرين رئيسيين: الخطر الأول: الحالة التي سنكون عليها لو فشل الحل السياسي.

تكمن حساسية هذا الخطر في الإرباك الهائل الذي سينشأ عن احتمال فشل الحل السياسي.

ووجه الأزمة في هذا الخطر هو أن الحل السياسي غير مرجح على الإطلاق، واحتمالات فشل هذا الحل تكاد تكون مؤكدة، وحظوظ نجاح الحل السياسي معدومة بالنظر إلى المواقف الإسرائيلية والانحياز الأميركي السافر لها، وهي معدومة بالنظر إلى استحالة قبول الطرف الفلسطيني بها لما تتضمنه من مواقف هي في الواقع متعارضة ومتعاكسة مع الحدود الدنيا للمطالبات الفلسطينية ناهيكم عن الحقوق الوطنية الثابتة.

في هذه الحالة تكون الحكومة في الواقع قد وضعت المجتمع أمام مجهول سياسي وتكون المراهنة على هذا المجهول ضربا من العبث السياسي غير المسموح به في العادة، إلاّ إذا كان قصد الحكومة أن استمرار المفاوضات حتى نهاية العام سيؤمن للحكومة الموارد الكافية لسد هذا العجز أو الجزء “الكافي” منه.

في هذه الحالة تكون رؤية الحكومة كمن يضغط على القيادة السياسية للاستمرار في المفاوضات من زاوية هذا “الاحتياج” وتكون الحكومة كمن ـ من حيث لا تدري ربما ـ يعقد المشهد السياسي أمام هذه القيادة بدلاً من أن تكون معيناً ومساعداً لها في اتخاذ الموقف الصائب.

وإذا دققنا أكثر في هذه المراهنة فإن أقل ما يمكن قوله على هذا الصعيد هو أن الحكومة واقعياً ستكون في مصاف تقديم الحلول الاقتصادية على الحلول السياسية أو تكون خطة كيري الاقتصادية قد بدأت تتقدم ولو بخطوات بسيطة في البداية على المسار السياسي، وهو ما يتناقض ـ برأينا ـ مع الكلام النظري حول ضرورة تلازم المسارين معاً، إن لم يكن تقدم المسار السياسي كشرط واجب وضروري على المسار الاقتصادي.

أما خطر “نجاح” الحل السياسي فسيعني بالضرورة ـ في ظل ما يتضمّنه الحل من إجحاف بالحقوق الوطنية ـ استبدال الحل الاقتصادي بالحل السياسي ودخول القضية الوطنية برمتها في أزمة وطنية جديدة ستؤدي إلى مزيد من الانقسامات في الصف الوطني وفي البنى السياسية والاجتماعية والثقافية للمجتمع الفلسطيني. وبذلك نكون قد “ساهمنا” من حيث ندري أو لا ندري في تحويل حقوقنا الوطنية إلى احتياجات جارية وليس متطلبات تنموية نابعة من استراتيجيات تنموية شاملة.

وخلاصة القول هنا إن الخطرين هما وجهان لعملة واحدة وان ارتهان العجز للحل السياسي (نجاحه أو فشله) هو ارتهان خاطئ وليس أمامنا من طريق غير طريق زيادة درجة الاعتماد على الذات والتقليل من درجة اعتماديتنا على الدعم الخارجي.

هذه السياسة لا تعني أبداً إعفاء المجتمع الدولي من التزاماته تجاه شعبنا ومتطلبات التنمية التي يحتاجها ولكن هناك فرق كبير بين توفير الدعم الدولي بأعلى قدر ممكن ومتاح وبين الارتهان الكامل لهذا الدعم.

في هذا الفرق بالذات تكمن المشكلة. فإما أن نعدّ أنفسنا لمرحلة من الصمود الوطني يمكن أن نتعرض خلالها لمغريات سياسية شكلية مقابل “حلول” اقتصادية علينا أن نرفضها، أو نعد أنفسنا لضغوط اقتصادية لإجبارنا على حلول سياسية لا يجوز أن نقبلها. أي أن علينا أن نختار ما بين صمود سياسي وسياسات اقتصادية تدعم هذا الصمود أو أن نختار “بحبوحة” اقتصادية مؤقتة بثمن سياسي كبير.

أعرف كما يعرف غيري أن هذا العام هو عام مفصلي وكذلك هو عام “انتقالي” وحاسم وان الأمور لا تسير باتجاه الأبيض والأسود فقط، وأعرف كما يعرف غيري أن هناك سيناريوهات أكثر تعقيداً من الخيار والخيار البديل المباشر.. ومع ذلك فإن المراهنة على مرحلة الصمود السياسي تحتاج إلى دعائم سياسية على المستوى الاقتصادي قبل كل شيء.

تخفيض الضرائب عن الشرائح العليا ليس هو الحل لأن توسيع دائرة المكلفين ليس مضموناً بعد، ويحتاج إلى سنين طويلة من البناء المؤسسي المطلوب، والحد من التهرب الضريبي ليس مسألة قرار سياسي.

كل المؤشرات تقول بأن حكومتنا منحازة للأغنياء مع أن الأغنياء ليسوا منحازين لها. كما أن المؤشرات تشي بأن الحكومة كانت تريد أن تحضر حفرةً “لأخيها” فوقعت فيها.

وأظن ـ وليس كل ظن إثماً ـ إن عدم التشاور مع الفئات والقطاعات قبل إقرار الموازنة كان “لخوفها” من المساءلة المشروعة، خصوصاً وأن الأطر القانونية لهذه المساءلة معطلة، وكان عليها أن تتحمل تبعات هذه المساءلة بدلاً من الصورة السلبية التي ظهرت بها.