الصناعات السمكية والمستقبل

لا يحتاج أحد إلى التأكيد على ما تتمتع به السلطنة من ثروة سمكية كبيرة يمكن أن تشكل سندا مستقبليا قويا في إطار الاتجاه نحو سياسة تنويع مصادر الدخل، بالاعتماد على موارد جديدة غير النفط، خاصة أن مهنة صيد الأسماك تعتبر من المهن التقليدية والمتوارثة في عمان منذ القدم، كما أن قطاعا من المواطنين لا بأس به يعمل بهذه الحرفة التي تدر دخلا مقدرا.

ومن سنوات اتجهت الحكومة نحو الأساليب الحديثة في الإنتاج بما يدعم هذا القطاع ويطوره ويمكنه من المساهمة الفعلية في الدخل القومي، وهو مسار ما زال مستمرا يؤتي أكله مع الوقت وليس خلال زمن وجيز، لكنه في الوقت نفسه يستدعي العمل المستمر والمضي في التجارب وشحذ الخبرات بهدف الوصول إلى الأفضل.

ومن هنا جاءت مشروعات حديث ورائدة كتجارب الاستزراع السمكي الذي أثبت نجاحه على مستوى العالم، ففي تقرير حديث لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) ذكرت أن مجال الاستزراع السمكي يشكل حاليا نحو 44 بالمائة من إنتاج الثروة السمكية في العالم، أي ما يقرب 70 مليون طن سنويا، وهذا يدل ببساطة على أن الدول المنتجة تتجه بوضوح نحو الأساليب الحديثة في الإنتاج. وهو ما نسير عليه ونأمل دعمه بخطوات أكبر في المرحلة المقبلة.

كذلك أشار تقرير الفاو إلى أن قطاع الأسماك عموما يعد من أكثر القطاعات الديناميكية في العالم، ما يجعل الدول المنتجة تفكر بشكل حثيث في كيفية الاستثمار الأمثل لهذا المورد الحيوي، فالعمل العلمي والمخطط له مع الإخلاص والمثابرة سوف يؤدي إلى نتائج إيجابية على مدى سنوات قريبة، خاصة أن هناك سوقا كبيرة جدا للمنتج على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

إن تنمية القطاع السمكي والصناعات المتعلقة به والاستزراع فيه لزيادة الإنتاج وفتح الأسواق الحقيقية للمنتج، كل ذلك سوف يعمل على تحقيق عوائد مجزية للاقتصاد الوطني سواء عبر المساهمة المباشرة في جملة الناتج المحلي، أو تشغيل الأيدي العاملة الوطنية حيث يعمل حاليا حوالي 40 ألف مواطن في قطاع الصيد وحده، لكن الوظائف المقصودة تتجاوز ذلك إلى الأسواق والمصانع وغيرها من الخدمات والنشاطات المرتبطة بالقطاع بشكل عام، كنقل الأسماك وتبريدها وتصنيعها وتصنيع المعدات المرتبطة بالصيد والإنتاج السمكي.

إن الإشارات والدلالات التي ساقها تقرير منظمة الفاو الأخير بخصوص قطاع الثروة السمكية في العالم، جديرة بالانتباه والدراسة من أجل الاستفادة منها، لأن المنافسة تتبعها المعرفة في عصر بات لا يعترف بسوى العلم والإدراك وتوسيع المعارف. لاسيما أن التقرير ذكر أن تجارة الأسماك العالمية تشهد في الوقت الراهن حالة من الازدهار غير مسبوقة عن أي وقت مضى، لكنه أكد أن أي تطوير يتوجب من خلاله مساعدة صغار الصيادين ومربي الأسماك التقليديين لأنهم اللبنة الجوهرية وراء التطوير الحقيقي فأي مشروعات تأتي منبتة عنهم لن تكون جديرة بالالتفاف حولها أو سيكتب لها الديمومة لفترات طويلة.

يشار إلى أن التقرير كشف أن صادرات الأسماك عالميا حققت عائدات أعلى من الصادرات الزراعية خلال عام 2013م بواقع 35.3 مليار دولار. وهي نقطة يجب الوقوف عندها.