عادل محمود -
«عندما يحبك شخص ما فإنك تشعر بأنه ينطق اسمك بشكل مختلف عما ينطقه بقية الناس…
إنك تشعر بأمان في…فمه !»
«الحب…هو عندما ترى أمي أبي غارقاً في عرقه، ورائحته نتنة، وتقول له إنه أكثر وسامة من روبرت فورد !»
هذان تعريفان للحب على لسان طفلين.
أما التعريف الثالث فقد نفذه فيلماً سينمائياً، المخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد…اسمه «مطر أيلول».
بذاكرة بصرية، الآن أستعيد مشاهد الفيلم التي تعيدنا إلى غوطة دمشق الخضراء المزهرة…والتي الآن، هي مسرح عمليات عسكرية منذ ثلاث سنوات.
عبد اللطيف… اختار أبسط شيء في العالم، أو ما يبدو أنه «أبسط» شيء في العالم… الحب. ولكن ما يتعرض له الحب من الإعاقة هو «أعقد» شيء في العالم.
وفي الحقيقة قدم لنا قصصاً عن الحب، وليس قصة واحدة، كما هي عادة في الأفلام، لأنه أراد أن تصل هذه القيمة العليا في حياة الإنسان، منظوراً إليها من عدة جهات.كما أراد أن يصور التضحيات البسيطة كأفضل أشكال التعبير عن الحب:
كأن تتجرح قدماك وأنت تركض إلى الحب.
كأن تخترع مطراً من صهريج ماء ورشراشة لتحقق، لمن تحب، أمنيته في اللقاء تحت «مطر أيلول».
كأن تنتحر بجلال بسيط، بعد أن تحفر قبراً وتوزع أجرة حفره على العمال، قبل الموت بثانيتين.
وكأن يصبح العالم كله، بشقائه وهمومه مكاناً صالحاً للسعادة… رقصاً وغناء، ومرحاً، بوصفه وليمة دائمة لتنشيط الذهاب اليومي، إلى الحب.
قدم لنا عبد اللطيف أعداء الحب أيضا… السلطة الغاشمة على شكل مجموعة بلطجية خارجة عن المألوف، وعن القانون. والفروق الطبقية بين أبناء الحب الواحد. والأخلاق التي تفرّق، على أساس مراعاة المجتمع وتقاليده وثرثرته، بين المحبين.
وفي مشهد تطارد فيه لبوة حماراً وحشياً مذعورا… نبّهنا المخرج إلى الجزء الحيواني من الحياة، كبقايا لإرث الغابة فينا، ونحن نمضي في الدروب وفي المتاهات، إلى صراعات البقاء !
ولتأكيد فكرة أن الحب هو قيمة شعبية مشتركة بين الناس، رأينا التأييد الشعبي، لمحب يغسل سيارة محبوبته يومياً في حي شعبي، والناس على شرفاتهم، يتفرجون في غبطة تشبه التأييد الحماسي لفريق رياضي ينتصر.
هذا الخالد الذي اسمه «الحب» قيل فيه وعنه الكثير: شعراً، ونثراً، موسيقى، وأغاني، ورسوماً، وأفلاماً.
وفي كل ما قيل ثمة محاولة ابتدائية دوماً للوصول إلى أجمل ما في الحب وأعمق ما يخلقه الحب، وأبعد ما يصل إليه الحب. حتى إذا وصل الحب في هزيمته إلى أقصاها…”الموت حباً” يكون هناك، في مكان ما، نوع من النصر المؤجل.
فيلم عبد اللطيف عبد الحميد، هذا.. محاولة ذكية، رقيقة، حنونة، وأصلية…لقول قصيدة حب سينمائية.
ولقد خرجت من الصالة، وأنا أكثر حباً… حتى للذين قالوا، وهم يعبرون، أن الفيلم لم يعجبهم !
الفن الذي يتناول موضوع الحب… إما أن يرتفع بالحب أو يرفعه الحب والأفضل: الاثنان معاً !