د. عبد القادر ورسمة غالب –
Email: awghalib@hotmail.com –
Twitter: @1awg –
بعد بداية إجراءات التحكيم المؤسسي قد تطرأ بعض الظروف التي تستوجب تغيير أو إحلال المحكم . هذه الظروف قد تعود لطبيعة النزاع نفسه أو للأطراف المتنازعة أو لأسباب تتعلق بالمحكم. ومهما كان السبب ومبرراته الا أن طبيعة التحكيم المستعجلة تستوجب اتخاذ الاجراءات السريعة لتكملة عملية التغيير أو الاحلال حتى يستمر التحكيم لنهاياته وفق الفترة الزمنية المقررة قانونا.لقد أولت غرفة محكمة تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس اهتماما خاصا بإجراءات هذا التغيير وحالاته وما يجب أن يتم لإحداث التغيير، و لقد أفردت موادا معينة وعدلتها في نظامها للتعامل مع تغيير المحكم. أكثر الحالات التي يتم فيها تغيير المحكم تعود لأسباب متعلقة بالمحكم نفسه لأنه قد يتوفى أثناء سير إجراءات التحكيم، أو قد يتعرض لمسائل أخرى يجد نفسه فيها مضطرا لتقديم استقالته لأسباب شخصية كالمرض مثلا أو لأسباب مهنية أو غير ذلك، أو قد يتبين عدم مقدرة المحكم في القيام بالتحكيم أو فشله الواضح مما يدل على عدم وجود المقدرة الفنية اللازمة أو مخالفة الأنظمة المتبعة مما يضطر أطراف النزاع للمطالبة بالإنهاء الفوري لمهمته بسبب عدم المقدرة…
ففي مثل هذه الحالات، و استنادا على النظام، يجوز لمحكمة التحكيم وبوازع من نفسها التدخل لتغيير المحكم. وبموجب هذا التغيير والإحلال يجوز لمحكمة التحكيم إعادة تشكيل “هيئة التحكيم” لملائمة التغيير الذي حدث وكذلك توضيح الإجراءات المترتبة علي التغيير مثل المدة المقررة لتكملة التحكيم والمكان والزمان وخلافه.
وهناك نقطة إجرائية مهمة لها علاقة بالتغيير والإحلال، وهي تتعلق بالسؤال حول هل يتم اتباع نفس طريقة التعيين السابقة أو اتباع طريقة جديدة عند إعادة التعيين بسبب التغيير والإحلال؟ وهنا تم تعديل نظام محكمة التحكيم لمنحها الحق في اتباع نفس الطريقة السابقة. ولكن بالنسبة للقوانين والأنظمة الأخرى، نلاحظ فراغا وقد يكون من الأنسب الإشارة لنقطة كيفية اعادة التغيير والإحلال من ضمن شروط التحكيم حتي تكون الرؤية واضحة. من المسائل التي تستدعي اعتبارا خاصا من محكمة التحكيم تلك الحالات التي يتقدم فيها المحكم باستقالته للأسباب التي يراها وآثار هذه الاستقالة على مجريات التحكيم، وهل تقوم المحكمة بنفسها بقبول هذه الاستقالة أو أخذ موافقة أطراف النزاع ؟ و قد يكون الأمر سهلا وسريعا خاصة اذا اتفق أطراف النزاع على مبدأ الاستقالة – أو انهاء مهمة المحكم – ولكن عدم الاتفاق فيما بينهما يتطلب من المحكمة الحرص والعدل في الإجراءات التي تتخذها، مع ضرورة الاهتمام بعامل الزمن حتى يتم إنجاز الأمر سريعا.
في المطالبة بالتغيير ، قد تحدث بعض الحالات المستعصية خاصة اذا رأى أحد أطراف النزاع ومن وجهة نظره أن المحكم غير ملائم، و قد يطلب هذا الطرف تغيير أو احلال المحكم لتلك الاسباب التي يراها من منظوره ولتحقيق مصلحته . في مثل هذه الحالة الفردية ، يجب ألا تذعن المحكمة أو المحكم لرأي هذا الطرف خاصة وأن رأيه عديم الأثر ولا يتم تغيير المحكم بسبب “مزاج” أحد أطراف النزاع انطلاقا من مبادئ الاستقلال والحياد.
ولكن في جميع الأحوال، يجوز لهذا الطرف القيام باتخاذ اجراءات “رد” المحكم لإحداث التغيير أو الاحلال بعد استنفاذ وقبول إجراءات الرد، كما يتبين أن “الرد” ضروري في مثل هذه الحالات لأنه أمر مختلف تماما عن المطالبة بالتغيير أو الاحلال.
ووفق قوانين التحكيم وأنظمة المراكز المؤسسية يجوز لأي طرف المطالبة برد المحكم، وهناك إجراءات معينة يجب اتباعها في حالة طلب “رد” المحكم وإنهاء خدماته . ومن الممارسة نلاحظ حالات عديدة يطلب فيها أحد الأطراف تغيير المحكم الذي قام هو باختياره لعضوية هيئة التحكيم ، خاصة اذا شعر منه بعدم منح أي اعتبار خاص له، وهذا يتم من واقع عدم تفهم مهمة المحكم ودوره في هيئة التحكيم ومسعى تحقيق العدالة.
يجوز للمحكم، بصفة عامة، تقديم استقالته وعند قبولها بالطبع يتم التغيير والإحلال. ولكن هل يجوز للمحكم تقديم استقالته في أي وقت والمطالبة بتغييره وإحلاله ؟ خاصة إذا وصل التحكيم لمراحل متقدمة ونهائية أو أن تقديم الاستقالة قد يكون “متعمدا” و من غير “حسن نية” ويسبب أضرارا بالتحكيم أو أحد الأطراف أو حتى مركز التحكيم.
ولمعالجة هذا الوضع فإن نظام تحكيم محكمة غرفة التجارة يشترط نظر المحكمة في أمر الاستقالة وإصدار قرار محدد بشأنها، وهذا يعني عدم نفاذ أثر الاستقالة الا بعد قرار المحكمة. وهنا نلاحظ اختلافا واضحا مع قانون “تحكيم اليونسيترال النموذجي” الذي لا يشترط الحصول على قرار بقبول الاستقالة أو الموافقة عليها حتى تصبح الاستقالة سارية، بالرغم من بعض المحاولات بتعديل القانون النموذجي في هذا الخصوص إلا أنها لم تنجح استنادا الى مفهوم أن القانون النموذجي يضع إطارا عاما ويترك التفاصيل لاتفاق وإرادة الأطراف.
وهناك حالات واضحة تبين أن الاستقالة تمت لأسباب جوهرية وبدون تعمد للإضرار بأي طرف، وهذا مثلا في حالة المرض الذي يؤثر على كفاءة أعمال المحكم وغيابه المتكرر بسبب المرض، أو اذا حدث تغيير مهني لا يتيح للمحكم مواصلة الاستمرار في التحكيم كتعيينه في وظيفة لا تسمح له بمباشرة التحكيم أو لأي أسباب أخرى تؤدي لانتفاء الحياد أو الاستقلال، أو إذا تم نقله خارج البلد أو ارتحل لأسباب مبررة، أو لأن الأطراف اتفقوا على وقف السير في التحكيم لمدة طويلة لا يقبلها المحكم، أو لأن أحد الأطراف تقدم بإجراءات رد المحكم ورأي المحكم الإسراع وتقديم استقالته بنفسه نظير هذا الإجراء، أو المحكم تعرض للتهديد بالأذى الجسماني أو الترهيب بواسطة أحد الأطراف أو ممثليه … وهذا يحدث …
وفي مثل هذه الحالات المذكورة أعلاه يتم تغيير وإحلال المحكم للأسباب التي قدمها، وعلى المحكمة في مثل هذه الحالات النظر في أمر الأتعاب وكيفية تحديدها بما يتماشى مع الجهد الذي بذله المحكم فعليا .
وهناك حالات تستدعي ضرورة قبول استقالة كل أعضاء هيئة التحكيم ووقف كل العمل وما يترتب على ذلك من أمر التحكيم في مجمله. هذا يحدث عندما يلجأ جميع أعضاء هيئة التحكيم للاستقالة معا وذلك لشعورهم باستحالة سير التحكيم لازدراء وعدم تعاون الأطراف أو ممثليهم عبر قيامهم بسوء معاملة الهيئة أو تهديدها، أو إحداث أمور تجعل السير بالإجراءات شبه مستحيل والجو أصبح غير مهيأ للعمل وتم فقد روح التعاون والمصداقية والالتزام والاحترام… وطبعا ، هنا سلطة المحكم أو هيئة التحكيم تختلف عن المحاكم لأن القضاة لهم الحق في اتخاذ اجراءات فورية خاصة عند الازدراء أو عدم احترام المحكمة وفق تقدير القاضي .
و من الجدير بالذكر أن محكمة التحكيم ، في بعض الحالات، وافقت عليلى قبول الاستقالة الجماعية لهيئة التحكيم استنادا علي المبررات التي رأتها وفق تقديرها ، و القانون يمنح محكمة التحكيم هذا الحق التقديري . و هنا يجب علي المحكمة توضيح الموقف بالنسبة للتحكيم و كيفية التعامل معه بسبب ما حدث و أدي لقبول الاستقالة الجماعية لهيئة التحكيم .
التحكيم قد يتعرض للمفاجآت غير السارة ومنها حدوث أي من الحالات أعلاه ، الطوعية أو القسرية، التي تستدعي التغيير والاحلال. و لهذا قطعا آثار سلبية جمة على التحكيم وربما تخدشه خدشا كبيرا يؤثر على مردوده ومصداقيته .
وهنا نعتقد أن الدور الشخصي للمحكم مهم لدرجة كبيرة وكذلك هيئة التحكيم حيث في يدهم الحرص على العمل بإخلاص وتجرد حتى إكمال المهمة. هذا يتطلب روح المهنية وطول البال والترفع عن الصغائر وضرب المثال للآخرين بغرض التماسك معا من أجل رسالة التحكيم السامية تحقيقا للعدالة .
المستشار القانوني ورئيس دائرة الشؤون القانونية لمجموعة بنك البحرين والكويت وأستاذ قوانين الأعمال والتجارة بالجامعة الأمريكية بالبحرين.