نوافذ .. ماذا نتعلم من مانديلا؟

Assem ALshedi

عاصم الشيدي -

قرأ المناضل الكبير نيلسن مانديلا فجر أمس الأول خطبته الأخيرة على البشر ورحل بسلام مأسوفا عليه من العالم أجمع، في وقت زحف فيه الآلاف من البيض والسود لا فرق ولا تمييز نحو منزله في ضاحية بمدينة جوهانسبرج ليتنفسوا الهواء النقي الأخير الذي تنفس منه أحد أشهر المناضلين ضد العنصرية في العالم.. إنه الجيل الذي تعلم من مانديلا معنى السلام والوئام فاستطاع أن يعيش أخيرا متصالحا مع نفسه بعد سنوات من الاضطهاد والتمييز والعنصرية في أبشع صورها.

هل مازال العالم بذاكرته القصيرة يذكر لحظة وقوف مانديلا في عام 1993 بجانب خصمه التاريخي دي كلارك آخر رؤساء عهد العنصرية ليتقاسما جائزة نوبل للسلام مناصفة وتنتهي حقبة تاريخية مرة عاشتها جنوب أفريقيا وجيرانها من الصراع بين قطبي الوطن، والثنائية الأزلية الأبيض والأسود وبدأت مرحلة جديدة تناثر عبيرها على العالم أجمع.

هل تستطيع القوى المتصارعة والمتطاحنة في العالم العربي اليوم أن تقف ذلك الموقف نفسه الخالد دون أن تحمل في داخلها الحقد والتآمر على الآخر مهما كان قريبا ومهما كان مشتركا معه في النص السماوي الذي يؤمن به. سؤال لا بد للعالم العربي أن يطرحه اليوم وهو يتمرغ في الطائفية والمذهبية ويحاول أن يتعلم من الدروس المجانية التي صنعها التاريخ.

في مشهد تلفزيوني بثته “بي بي سي” أمس الأول للآلاف وهم يتجمعون أمام بيت مانديلا في صورة تعبر أن الوحدة التي استطاع الرجل بعد سنوات طويلة من النضال ترسيخها في شعبه يمكن أن نقرأ صورة نموذجية للعالم أجمع كيف يكون التسامح وكيف يكون الوئام.. صحيح أن جنوب إفريقيا تعيش معدلا مرتفعا من الجريمة والمشاكل الاقتصادية وصحيح أن الفساد عاد ليتسلل مرة أخرى إلى جنوب أفريقيا ولكن المؤكد أن البلد تجاوز المرض المزمن الكبير وهو عدم المساواة بين أفراد الشعب الواحد وهو أكبر خطر يمكن أن يحيط بأي أمة تفرق بين أبناء شعبها حسب اللون أو المذهب أو القومية.

مات مانديلا وهو يضع تحت مخدته مذكرات عشرة آلاف ليلة قضاها بين ظلام القضبان لتتعلم منها الأجيال الجديدة كيف تكون التضحيات وكيف يكون النضال من أجل نيل الحرية والكرامة..

على العالم العربي اليوم أن يتعلم من تجربة مانديلا ويقرأ مذكراته وكيف استطاع أن يتحول إلى أيقونة للسلام والعدل والمساواة. بعد عشرة آلاف ليلة قضاها في السجن خرج ليقول لأبناء وطنه وللعالم أجمع “أقف هنا أمامكم لا كرسول بل كخادم ذليل أمامكم أمام الشعب. إن تضحياتكم الدؤوبة والتاريخية هي التي جعلت من الممكن ان اقف هنا اليوم. ولهذا اضع ما تبقى من سنوات عمري بين ايديكم”

ورغم الشعبية العالمية التي أكتسبها وأعطى بني لونه قوة في العالم أجمع لم يبحث مانديلا عن الانتقام واقصاء الآخر وشطبه من الخارطة الإنسانية أو السياسية في بلده بل مد يده للجميع وأعلن أنه “حان الوقت لمداواة الجراح. حان وقت تخطي الهوة التي فرقت بيننا. حان وقت البناء”. فقاد بلاده لأن تكون من بين أهم الدول الاقتصادية في العالم بتكاتف الجميع دون تمييز.

هل سنتعلم في العالم العربي من هذا الرجل الذي حزن العالم على رحيله أم سنبقى ظواهر لغوية ومجازية؟ شتان بين ما نقوله وما نفعله.