ترجمات .. الشخصية تتفوق على السياسة الخارجية في سوريا

جيم هوجلند -

ترجمة قاسم مكي -

واشنطن بوست -

الوعدُ الذي قطعه الرئيس بشار الأسد بتفكيك ترسانة نظامه الكيماوية ألحَقَ بقوات ثوارِ سوريا ضررا إستراتيجيا أبلغ من أي أذى يمكن أن تتسبب فيه هذه الأسلحة في ميدان المعركة. فهو قد سحب إنتباه العالم (والآمال بزيادة الدعم الأمريكي للثورة) بعيدا عن الكفاح الكئيب الذي تخوضه المعارضة.

لقد كشف آل الأسد خلال حقبة حكم عائلتهم على مدى 43 عاما أنهم سيفعلون كل ما يلزم من أجل بقائهم (على سدة الحكم). فإذا كان هذا البقاء يقتضي وحشية بربرية فإنهم سيطلقون هذه الوحشية من عقالها.

وإذا كان يعني استرضاء قوة عظمى وحصولهم (بالمقابل) على مكاسب غير مادية فلا بأس بذلك أيضا. وقد ظهرت أخيرا هذه الخصيصة المميزة للوالد حافظ في بشار الإبن الذي بدا في وقت ما متحلِّيا بالدماثة ولين الجانب.

وكنت حين وصلت إلى بيروت بصفتي مراسلا للواشنطن بوست في الشرق الأوسط بعد عامين من تولي حافظ الأسد للسلطة الكاملة في عام 1970 قالوا لي أنه «لا ينبغي للبلدان الأخرى مضايقة آل الأسد». لماذا؟ لأنهم حينها « سيفعلون بك فعائل لا تفعلها أنت بهم». لقد جرَّبتُ الوجه الآخر من عُملة الأسد في عام 1987 حين وجهت لي دعوة على جناح السرعة لزيارة دمشق وإجراء مقابلة مع حافظ الذي صار مقتنعا بأن (الرئيس الأمريكي) رونالد ريجان على وشك معاقبة دمشق لدورها في تفجير السفارة الأمريكية وثكنات جنود المارينز الأمريكيين في هجومين منفصلين في بيروت في أعوام الثمانينات. وأنفق الأسد الكبير ثلاثة ساعات وهو يشرح آماله الجديدة في إرساء علاقات جيدة مع واشنطن.

وبدأ أن الأزمة التي كانت تتبدى في الأفق، سواء كانت حقيقية أو من بنات خياله، قد تبددت بعد فترة قصيرة عقب ذلك. إن الضغوط التي جعلت بشار يبدو لطيفا لَهِي أكثر تمددا وانتشارا. إنَّها ناشئة جزئيا فقط من ضربة أوباما العسكرية المحتملة لسوريا التي سارت بخبرها الركبان لفترة ثم نُحِّيَت جانبا في آخر الأمر.

وحسب ظني فإن تزايد خشية روسيا من خروج الحرب السورية عن حدِّ السيطرة هو ما قاد الكرملين إلى الضغط بشدة على الأسد للتخلي عن ترسانته الكيماوية.

ومن شأن ذلك أن يشكل الجانب المضيء في الحالة السورية المدلهمة. كما أنه يوحي بوجود حدود لرغبة بوتين في الانتقام من إدارة أوباما بسبب معارضتها لعودته إلى الرئاسة الروسية وتجاهلها له في المسألة الليبية بجانب جراحات أخرى ملتهبة (يتخيلها). بالطبع من السهل جدا للصحفيين أن يبالغوا في تفسير العلاقات والمشاعر الشخصية كمسببات للأحداث الكبيرة في العلاقات الدولية. فمثل هذه المبالغات تساعد على جعل الأخبار أكثر إنسانية وجاذبية. ولكن الأزمة السورية ألقت ضوءا ساطعا على أهمية العلاقات الشخصية في عواصم البلدان حول العالم وليس فقط في دمشق وموسكو. لقد كانت هذه الأزمة أول تمرين لأوباما ووزير الخارجية جون كيري في الجمع بين أهدافهما ورؤاهما المختلفة حول السياسة الخارجية وتطبيق الناتج الهجين (من ذلك الجمع) على وجه السرعة.

لقد بدا واضحا على مدى عام على الأقل تردد أوباما القوي والمؤثِّر في تقديم دعم عسكري ذي معنى لإئتلاف المعارضة السورية. وفي الخريف الماضي ومع تحقيق الثوار مكاسب مهمة في ميدان القتال عَكَسَ الرئيس الإتجاه الذي كانت تمضي نحوه الجهود المبذولة في البنتاجون ووكالة الاستخبارات المركزية من أجل زيادة العون الأمريكي.

وتم السماح بتلاشي الضغط العسكري الذي كان في مقدوره إجبار النظام السوري على التفاوض مع معتدلي المعارضة في مؤتمر جنيف للسلام المُقتَرَح ولكن المتَّسِم بالمراوغة. والآن مع تحوُّل بشار الأسد إلى دور اللاعب الرئيسي في تطبيق خطة تدمير الأسلحة الكيماوية السورية فإن إدارة أوباما ليست في أي وضع يتيح لها الإنحياز بقوة لجانب أعدائه الأَلِدَّاء.

وإزاء هذه الحال، فإن حافظ الأسد إذا كان لا يزال موجودا بيننا لَبَدَت على وجهه ابتسامةٌ أبوية فخورة (بابنه بشار).

لقد كان إنجراف الولايات المتحدة إلى الحرب الأهلية في سوريا واضحا بما يكفي بالنسبة لجون كيري كَي يُسِرُّ إلى زملائه في أسابيعه الأولى بوزارة الخارجية بأن أول ثلاثة أهداف رئيسية وإبتدائية بالنسبة له هي جعل الولايات المتحدة أكثر إنخراطا في سوريا وتحريك عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية وعمل شيء حول التغير المناخي.

لقد تابع كيري في حرص الوضع في سوريا طارحا القضية السورية في واشنطن والعواصم الأجنبية في كل فرصة ممكنة. ويملك كيري، الذي تثق به الدائرة الضيقة المحيطة بأوباما أكثر من ثقتها بالمنافسة الرئاسية السابقة هيلاري كلنتون، مجالا أرحب للمناورة في وزارة الخارجية.

وهو قد أوضح أنه سيستخدم هذا المجال المتاح له. ويبدو كيري أيضا أكثر وعيا من أوباما بالحاجة إلى العمل الآن لإصلاح الضرر الطويل الأمد الذي أصابت به تعرجات السياسة الأمريكية تجاه سوريا كُلاَّ من المملكة العربية السعودية وإسرائيل.

وستتيح له لقاءاته قريبا مع قادة البلدين فرصة جديدة (وحاجة) للخطو بحذر حتى الحدود التي رسمها البيت الأبيض للفعل الأمريكي في الشرق الأوسط. نتمنى له كل خير.