سمير عواد -
تمارس إسرائيل الإرهاب ضد الفلسطينيين من الأرض والجو والبحر ولم تتردد في تاريخها الدموي عن اغتيال فلسطينيين في مناطق بعيدة في العالم، وفي حقبة السبعينات والثمانينات ركزت عليهم في لبنان وكانت دائماa تلتزم الصمت إلى أن اعترفت في عام 2012 أنها اغتالت خليل الوزير «أبو جهاد» نائب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية وأب الانتفاضة الأولى، في تونس، وذلك بعد إفراجها عن وثائق عقب ربع قرن على جريمتها.
يبدو شعار الموساد الإسرائيلي للوهلة الأولى، أنهم يتوخون الحذر عند تنفيذ الاغتيالات، لتجنب إلحاق ضرر بالأبرياء، ولذلك سمى الإسرائيليون هذه الاستراتيجية بالعبرية «سيكول ميموكاد» أي بالعربية «القتل المُركّز». وضمنت الحكومات الإسرائيلية جميعها جرائم الاغتيالات بحق الفلسطينيين وبررتها موضحة أنها ضرورية لتعزيز أمن إسرائيل وردع خصومها ضاربة بذلك عرض الحائط، بحيث لا تلتفت إلى جميع القوانين الدولية.
اعتمدت إسرائيل استراتيجية القتل المُركّز بصورة خاصة، بعد اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000، وخلال الفترة من عام 2001- 2004 قامت إسرائيل باغتيال عشرات من الكوادر الرفيعين في منظمة التحرير الفلسطينية وخاصة في حركتي «فتح» و«حماس» و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين». وفي مارس سمحت إسرائيل لنفسها القضاء في جريمة بشعة على الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة «حماس» بعد أن أطلقت مروحية تابعة لجيشها ثلاثة صواريخ على الشيخ المقعد على كرسي متحرك لدى خروجه من المسجد في مدينة غزة. وبعد شهر اغتالت خليفته عبد العزيز الرنتيسي. وعند تنفيذها كلتا الجريمتين الشنيعتين قُتل عشرات المدنيين الأبرياء أو أصيبوا بجروح بليغة أثناء وجودهم في الوقت الخطأ في المكان المستهدف من جانب القتلة. وهكذا قدمت إسرائيل الدليل الدامغ على أنها تنفذ جرائمها مهما كلف الأمر ودون الأخذ بسلامة وأمن المدنيين الأبرياء. وفي عام 2002 ألقت إسرائيل قنبلة تزن طناً على منزل قائد كتائب القسام صلاح شحاده فقتلته إلى جانب 14 آخرين. وفي عام 2009 خلال عدوان «الرصاص المصبوب» اغتالت اثنين من قادة «حماس» أحدهما نزار ريان الذي قصفت منزله في شمال قطاع غزة مما أدى إلى مقتله مع زوجاته الأربع وسبعة من أبنائه وخمسة مدنيين.
وتمارس إسرائيل الإرهاب ضد الفلسطينيين من الأرض والجو والبحر ولم تتردد في تاريخها الدموي عن اغتيال فلسطينيين في مناطق بعيدة في العالم، وفي حقبة السبعينات والثمانينات ركزت عليهم في لبنان وكانت دائما تلتزم الصمت إلى أن اعترفت في عام 2012 أنها اغتالت خليل الوزير «أبو جهاد» نائب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية وأب الانتفاضة الأولى، في تونس، وذلك بعد إفراجها عن وثائق عقب ربع قرن على جريمتها.
إلا أن جرائم القتل المُركّز يعود تاريخها إلى عام 1956. ففي ذلك العام أمر يهوشافات حركابي رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية باغتيال مصطفى حافظ مدير المخابرات العسكرية المصرية في سيناء، وعلى عكس اليوم، كان الجيش المصري يدعم المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ومساعدتها لتنفيذ عمليات عسكرية ضد الجيش الإسرائيلي هناك. واستشهد مصطفى حافظ في يوليو 1956 عندما فتح رسالة ملغومة أرسلها الإسرائيليون عبر عميل مصري مزدوج، والذي أصيب بالعمى نتيجة انفجار الرسالة لأنه لم يكن يعرف أنها ملغومة. وبعد يوم واحد استشهد الملحق العسكري المصري في العاصمة الأردنية عمّان بالطريقة نفسها.وبدأ الموساد في عام 1962 حملة اغتيالات مركزة في إطار عملية أطلقوا عليها اسم «السيف المسلّط» أشرف عليها اسحاق شامير الذي أصبح لاحقا رئيسا للحكومة الإسرائيلية، واستهدفت العملية علماء ألمان لجأوا إلى مصر بعد انهيار العهد النازي في ألمانيا وكانت إسرائيل تعتقد أنهم يطورون الصواريخ المصرية.
وعادت إسرائيل تمارس لعبة القتل القذرة فأرسلت رسائل ملغومة عليها طوابع من مدينة هامبورج الألمانية إلتى أسفرت عن مقتل خمسة موظفين مصريين وقتلت إسرائيل ألمانيا في ميونيخ زعمت أنه كان يزود المصريين بالخبرة التقنية الألمانية لتطوير صواريخهم. وبعدما اعتقلت السلطات السويسرية اثنين من عملاء الموساد على أثر فشل خطة اغتيال أمر ديفيد بن غوريون رئيس الوزراء الإسرائيلي بإنهاء عملية «السيف المسلّط» وكانا قد حاولا قبل ذلك إرسال طرد ملغوم بالبريد إلى المستشار الألماني كونراد أدناور لهدف وقف المفاوضات بين ألمانيا وإسرائيل حول تعويضات.
وعرضت ألمانيا على العلماء الألمان في مصر فرصة العودة إلى بلدهم وذلك في عام 1963.
وفي عام 1972 عاودت إسرائيل العمل باستراتيجية القتل المُركز هذه المرة بطلب من جولدا مائير رئيسة الوزراء وذلك عقب عملية ميونيخ التي نفذها فدائيون فلسطينيون واستهدفت المنتخب الإسرائيلي للألعاب الأولمبية والذي كان مؤلفا من عناصر في الجيش الإسرائيلي، واغتالت فرقة إسرائيلية عُهد إليها تنفي عملية «غضب الله» تسعة فلسطينيين خلال الفترة من 1972-1973 حيث اتهمتهم بالانتماء إلى منظمة «أيلول الأسود» التي أعلنت مسؤوليتها عن عملية ميونيخ. ويقول مراقبون أن مائير كانت بنفسها تأمر بتنفيذ الاغتيالات التي وقعت في باريس وروما ونيقوسيا وأثينا ولبنان واستخدم القتلة الإسرائيليون في تنفيذها جوازات سفر ألمانية، وسقط عدد من المدنيين الضحايا خلال تنفيذ جرائم القتل هذه.
وفي يوليو 1973 أجبرت إسرائيل على تجميد هذه الاستراتيجية بعد أن انفضحت عالميا عقب اغتيال شاب مغربي من أصل جزائري في النرويج يعمل نادلا في «ليلهامر» وكان عملاء الموساد يعتقدون أنه علي حسن سلامة رئيس المخابرات الفلسطينية واعتقلت السلطات النرويجية مرتكبي الجريمة الذين أردوا الشاب المغربي البريء أحمد بوشيقي بأربع عشرة رصاصة. وفي عام 1997 فشل الموساد باغتيال القيادي في حركة «حماس» خالد مشعل في الأردن، ونتيجة تدخل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون والعاهل الأردني الراحل الحسين بن طلال، رضخت إسرائيل لتهديدهم بتجميد اتفاقية السلام المبرمة بين الأردن وإسرائيل، وقدموا حقنة مضادة لحقنة السم القاتل التي أرادوا بواسطتها تصفية مشعل.
وفي مطلع القرن الحادي والعشرين عادت إسرائيل للعمل باستراتيجية القتل المُركّز وراحت تتعقب قادة حركتي «فتح» و»حماس»، وفي عام 2008 اغتالت عماد مغنية القائد العسكري في حزب الله خلال وجوده في دمشق، ثم اغتالت محمود المبحوح المسؤول السياسي في حركة «حماس» خلال زيارة كان يقوم بها إلى دبي، لكن السلطات الإماراتية تمكنت بسرعة فاجأت الإسرائيليين من الكشف عن هويات جميع أعضاء فرقة القتل التي استهدفت المبحوح الذين وصلوا إلى دبي حاملين معهم جوازات سفر من عدة بلدان أوروبية وأستراليا.
ويعتقد المراقبون أن إسرائيل وراء اغتيال مجموعة من العلماء الإيرانيين العاملين في البرنامج النووي الإيراني، حيث منذ يناير 2010 قُتل أربعة منهم نتيجة انفجار عبوات ناسفة تحت سياراتهم أو برصاص مجهولين.
وحتى اليوم يسود الغموض مقتل وديع حداد «أبو نضال» زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي أعلن وفاته في برلين الشرقية عام 1978، وقبل مدة وجيزة ذكر صحفيون أنه قُتل مسموما بواسطة دس السم في الشيكولاته التي كان يتناولها بنهم.
اليوم وبعد أن كشفت قناة «الجزيرة» حقائق تدين إسرائيل بقتل عرفات بالسم، يعزز ذلك ما يقوله الفلسطينيون منذ عام 2004، بأن رئيسهم مات مسموما بمادة البولونيوم التي لا ينتجها أحد في الشرق الأوسط إلا الدولة النووية: إسرائيل.