الاتفاق الإيراني أفضل من بدائله

ريتشارد هاس -

ترجمة قاسم مكي – الفاينانشال تايمز -


الاتفاق النووي المؤقت بين إيران والقوى الدولية الست إنجاز مهم بكل المقاييس. فهو نتاج أعوام من دبلوماسية اتسمت بالتنسيق والديمومة وشاركت في الجزء الأعظم منها الولايات المتحدة بجانب شركائها الأوروبيين الرئيسيين. ويعكس النجاحُ أيضا الاستخدامَ الشديد التعقيد للدبلوماسية، على خلفية من العقوبات الاقتصادية والتهديد الجاد باستخدام القوة العسكرية.


إلى ذلك فإن هذا الاتفاق يُبيِّن بجلاء قدرةَ الحكومة الإيرانية الجديدة برئاسة حسن روحاني على التوصل إلى تسوية ورغبتَها في الحصول على الاعتراف الداخلي بما تحصل عليه في مقابل ذلك.

ويضع الاتفاقُ المؤقت نفسُه قيودا لها معنى على أبعادٍ عديدة من البرنامج النووي الإيراني في مقابل تزويد إيران بدرجةٍ من الاسترخاء المالي من وطأة العقوبات الاقتصادية الراهنة. أيضا يؤسس هذا الاتفاق الذي فُهم كَسَقفٍ (وليس تَجميدا) لمستوى أكثر نفاذا (تغلغلا) من إجراءات التفتيش قياسا بما هو موجود. والنتيجة الخالصة ستكون إبطاءَ تقدمِ إيران نحو استيفاء العناصر العديدة اللازمة لإيجاد القدرة على إنتاج السلاح النووي. وفي الأثناء سيزداد الوقت (أو مدة الإنذار) الذي سيتوافر للعالم بين اتخاذ إيران قرارا بإنتاج سلاح نووي واحد أو أكثر وبين الوقت الفعلي لوصولها الى ذلك الهدف. وما لا يفعله الاتفاق المؤقت هو تفكيك جوانب مهمة من قدرة إيران النووية الفعلية أو الممكنة احتمالا. إنه اتفاق يفعل أشياء محدودة لفترة محدودة لا أكثر ولا أقل. وأولئك الذين يعارضون الاتفاق المؤقت بسبب ما لا يفعله (هذا الاتفاق) إنما يبالغون في ما يطلبونه. فلا يمكن أن يكون مقياس أي اتفاق دبلوماسي هو الممكن في مقابل المثالي ولكن الممكن في مقابل البدائل الواقعية. وفي هذه الحال ستتمثل (هذه البدائل) إما في التعايش مع قدرة تسلح نووي إيراني ستقود آخرين في الشرق الأوسط غير المستقر أصلا إلى التأسي بها أو توجيه ضربة عسكرية وقائية دون أن تتوافر معرفة مسبقة بما يمكن أن تحققه (هذه الضربة) أو تطلقه من أحداث. هذا الاتفاق المؤقت أفضل إلى حد بعيد من أي من هذين البديلين. وما ليس واقعيا ايضا تلك الحجج التي تقول بما أن العقوبات تفعل فعلها فلا يوجد سبب للدخول في اتفاق لا يحقق هدف إخراج إيران من الموضوع النووي جملة وتفصيلا. إن الدعم الدولي للعقوبات (في هذه الحال) سينهار قبل فترة طويلة من الاقتراب من ذلك. وستفضل الحكومة الراهنة أو أية حكومة إيرانية أخرى المواجهة على التفاوض إذا كان الإذلال هو نتيجته المؤكدة. ولا يتعلق السؤال الحقيقي الذي يجب أن يجد اهتماما بالاتفاق المؤقت الذي استكمل لتوه ولكن بالاتفاق الذي سيعقبه أو ” الشامل” القادم. إن الهدف المعلن هو إكمال التفاوض بشأن هذا الاتفاق والبدء في تطبيقه خلال عام. وما يشكل حافزا لإيران (كي تعقد مثل هذا الاتفاق الشامل) واضح. فالصيغة المتفق عليها تعد بإنهاء كل العقوبات المتصلة بالمسألة النووية ( ولكن ليست العقوبات المرتبطة بالجوانب الأخرى من سلوك إيران التي اعتبرت مستهجنة.) وهنالك يقين أقل حول ما ستلزم إيران بفعله في المقابل. فحسب علمنا سيسمح لها بتشغيل برنامج للتخصيب النووي. ولكن كمية اليورانيوم الذي يمكنها إنتاجه وتخزينه لم تتقرر بعد. أيضا ينتظر تقرير قدرة إيران على التخصيب. وهذا شيء يتطلب وضع حدود كمية ونوعية على أجهزة الطرد المركزي التي يمكنها حيازتها وتشغيلها. إن اتفاق المتابعة (الشامل) سيحول دون اتخاذ إيران مسارا ثانيا (مسار إعادة المعالجة سواء في أراك أو أي موقع آخر) لإنتاج المواد التي يمكن استخدامها في الأسلحة النووية. إن حق التخصيب لن يمتد إلى حق إعادة المعالجة. وسيتطلب اتفاق المتابعة قدرا مهما من الشفافية ولكنه غير محدد. وسيكون من الحيوي وجود نظام طموح للمراقبة والتفتيش. ويمكن أن تكون الفكرة هنا ” لا تثق ولكن دقِّق وتَثبَّت.” إحدى المسائل غير المحلولة هي الفترة الزمنية لأي اتفاق متابعة . ويقرر النص الحالي (للاتفاق) بوجوب أن تكون المدة محددة وطويلة الأمد، ولكن ليس أكثر من ذلك. ويمكن أن يمثل ذلك مشكلة. إذ قد يكون من الصعب جدا جعل البلدان توافق على الإعفاء الكامل من العقوبات في غياب الاطمئنان بديمومة أو شبه ديمومة الشروط المفروضة على إيران. ولكن حتى إذا كانت الاتفاقية طويلة الأمد ومتشددة في شروطها فهي لن تزيل تهديد السلاح النووي الإيراني. فقد يمكن للحكومة الحالية أو لحكومة مستقبلية في طهران أن تقرر المخاطرة باستئناف أو تسريع برنامج لإنتاج الأسلحة النووية. ولا يمكن أن يكون هدف الدبلوماسية ضمان استحالة حدوث ذلك، ولكن جعله صعبا وقابلا للرصد مع توافر فرصة التحذير المسبق والكافي للقيام بعدد من الردود الممكنة. وكما هو الحال مع الاتفاق المؤقت فإن مثل هذه النتيجة سوف لن تكون شافية في نظر البعض. ولكنها ينبغي أن تكون كذلك. فإيران تمثل تحديا يجب أن يُدَار أكثر من كونها مشكلة تستلزم حلا ، ليس بسبب طموحاتها النووية ولكن أيضا بسبب سعيها وراء النفوذ الإقليمي. حقا يمكن حل تحدي إيران فقط من خلال ظهور حكومة وسياسات تبدي قدرا كبيرا جدا من الاعتدال والمسؤولية. ومن شأن مثل هذا التحول، إذا حدث أصلا، أن يأخذ وقتا طويلا. ولكن الوقت هو بالضبط ما يقدمه هذ الاتفاق المؤقت. لذلك فهو يستحق التأييد.

* الكاتب رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي