سمير عواد -
لا أحد يجبرهم على مغادرة بلادهم، والذهاب إلى فلسطين المحتلة. لكن يهود من ألمانيا، يديرون ظهورهم لألمانيا، ويغادرون إلى فلسطين المحتلة، وأكثر من ذلك، أنهم يؤدون هناك الخدمة العسكرية، التي لم تعد إلزامية في ألمانيا. واليهود أو المسيحيون المتطرفون الألمان الذين يسافرون إلى فلسطين المحتلة والانضمام لبرامج التدريب التي ينظمها الجيش الإسرائيلي، وتدعو لها جمعيات إسرائيلية ويهودية في ألمانيا، وغيرها من بلدان العالم، لا يخشون أية عواقب، بل هم يعتقدون أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل سهلت لهم السفر إلى إسرائيل والخدمة في جيشها عندما قالت في عام 2008 أمام الكنيست الإسرائيلي إن أمن إسرائيل من أسس السياسة الألمانية.
وجددت ألمانيا التزامها بذلك في اتفاقية الائتلاف عندما شكلت ميركل حكومتها الجديدة مؤخراً مع الاشتراكيين الألمان، الذين لا يقلون تأييدا لإسرائيل عنها، لكنهم يستطيعون انتقاد إسرائيل إذا تطلب ذلك على العكس من ميركل التي تفضل التزام الصمت.
وليس هناك إحصائيات تكشف عن عدد اليهود الألمان أو غير اليهود، الذين خدموا في الجيش الإسرائيلي. غير أن ناطقاً باسم الجيش الإسرائيلي أكد لمجلة «فوكوس» الألمانية مؤخراً، أن عدد المجندين والمجندات في الجيش الإسرائيلي الذين يحملون جواز سفر ألماني، يرتفع باستمرار.
وقالت مجلة «فوكوس»: إن المجندين والمجندات الألمان، يبدون استعدادهم لتحمل الظروف الصعبة خلال تأدية الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي بما فيها من مخاطر، من أجل خدمة أمن إسرائيل.
ويشارك هؤلاء في برامج التدريب على القتال واستخدام مختلف أنواع الأسلحة، في صحراء النقب، حيث تصل درجة الحارة فيها إلى 35 درجةً مئويةً في الظل. وفي الشتاء حيث تنخفض درجة الحرارة إلى تحت الصفر في هضاب الجولان، حيث يتولون حراسة نقاط المراقبة التابعة للجيش الإسرائيلي، لمنع انتقال الحرب الدامية في سوريا إلى الأراضي الإسرائيلية. وتحدثت تقارير نُشرت قبل أشهر عن لجوء جرحى سوريين للعلاج في مستشفيات بالقرب من مدينة صفد في فلسطين المحتلة.
وأجرت المجلة الألمانية مقابلات مع بعض المجندين والمجندات الألمان الذين سمح لها الجيش الإسرائيلي بإجراء مقابلات معهم في المخيمات العسكرية، حيث دار الحوار حول تخليهم عن حياة الرفاه في ألمانيا وعائلاتهم هناك واختيار العيش في فلسطين المحتلة وأحيانا في خطر وقوع حرب في منطقة الشرق الأوسط أو على الأقل صدامات عسكرية مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة ومع حزب الله في لبنان، علاوة على أن يستخدمهم جهاز الاستخبارات الإسرائيلي «موساد» مع جوازات سفرهم في تنفيذ عمليات اغتيال في الخارج كما جرى مرارا في الماضي.
ورغم أن المجند الألماني الذي يبلغ 28 عاماً من العمر كان سعيدا للقائه مع مجلة ألمانية حيث دار الحديث داخل ثكنة بالقرب من تل أبيب، وطلب عدم نشر اسمه الحقيقي واكتفى باسم مستعار هو الدكتور أومير كوهين، وقال إنه يعمل كطبيب عسكري، وأنه فخور لأنه يخدم في الجيش الإسرائيلي، وأن يكون كيهودي، جزءاً من هذا الجيش.
قال أومير إنه نشأ في محيط يهودي في برلين، من حضانة يهودية إلى مدارس يهودية وكان يمارس الرياضة في أندية يهودية، وأضاف: إن عائلته ربما أرادت أن ينشأ كيهودي حتى لو كان في ألمانيا. ويبدو من كلامه أنه ينتمي لأسرة كانت تتجنب إقامة علاقات اجتماعية مع الجيران الألمان. وذكر أن جده كان ينتمي إلى الجيش الأحمر السوفييتي، بينما نجا بعض أفراد العائلة من ملاحقات نظام هتلر حيث اختبأوا في غابات بولندا، ومات بعض أقاربه في معسكرات النازية. وقال إنه ترعرع على الدين اليهودي.
أضاف إنه كان من السهل عليه الحصول على وظيفة عمل في ألمانيا والحصول على راتب جيد، وليس برأيه هناك سبب وجيه كي يترك ألمانيا، لولا أنه صاحب مبدأ.
كذلك المجند في الجيش الإسرائيلي بيني نودلمان الذي يبلغ 21 عاماً من العمر، وينحدر من برلين، وينتمي إلى فرقة المظليين في الجيش الإسرائيلي، وقال: إن مربيه علموه منذ الصغر كم إسرائيل مهمة بالنسبة له واعتبر منذ ذلك الوقت ألمانيا محطة عابرة في حياته. وقال: إن إسرائيل الضمان الوحيد بالنسبة إليه كي لا تتكرر المحرقة (هولوكوست) وأنه كيهودي ألماني يريد الدفاع عن هذا المبدأ، وقال أنه منذ نشأته في ألمانيا كان يشعر أنه يهودي أولا، ولا يشعر اليوم بأنه إسرائيلي، وأوضح أنه سيعود إلى برلين لإكمال دراسته حالما ينهي الخدمة العسكرية.
والتقت المجلة الألمانية المجندة ناتالي كرانتس التي تبلغ 20 عاماً من العمر وتنحدر من مدينة فورتسبورغ الألمانية حيث تعمل مع فرقة تحمي صواريخ الدفاع الجوي «باتريوت» التي حصلت عليها إسرائيل من الولايات المتحدة وألمانيا. وقالت: إن والدتها تعرفت بعد طلاقها من والدها على رجل إسرائيلي وهاجرت الأسرة لاحقاً إلى إسرائيل عندما كانت ناتالي في الثالثة عشرة من عمرها، حيث اعتنقت الديانة اليهودية، وهي اليوم تعتز كثيرا بيهوديتها، وقالت إنها نسيت حياتها السابقة في ألمانيا وتريد مواصلة تدرجها في الجيش الإسرائيلي وحماية إسرائيل وشعبها.
وتجدر الإشارة أن ديفيد بن جوريون أول رئيس وزراء إسرائيلي، دعا بعد ثلاثة أشهر على إعلان تأسيس إسرائيل على أرض فلسطين، وتحديدا يوم 18 أغسطس 1948، إلى إلزام جميع النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 18-28 عاماً وليس لهن أولاد، بالخدمة العسكرية مدتها عامان، وما زالت إسرائيل حتى اليوم، الوحيدة في العالم التي فيها خدمة إلزامية للنساء. وكان الجيش الإسرائيلي في حروبه مع العرب يحتاج إلى كل رجل وكل امرأة، وفي عقد الخمسينات بدأن، التدرب على سلاح الطيران وشاركن في حرب السويس عام 1956 كسائقات عربات عسكرية تنقل الجنود إلى الجبهة والجرحى إلى المستشفيات. وفي حرب إسرائيل ضد حزب الله في لبنان عام 2006م شاركت جنديات لأول مرة منذ تأسيس إسرائيل في مواجهات عسكرية، وقُتلت الجندية كيرين تيندلر وهي أول جندية إسرائيلية تسقط منذ نشأة إسرائيل.
ولفتت صحيفة «اليسار» الألمانية النظر إلى أن هؤلاء يستحقون العقاب، إذ أن الفقرة 109 من قانون العقاب الألماني تنص على عقوبة الحبس من ثلاثة أشهر إلى خمسة أعوام، على كل مواطن يعيش في ألمانيا، إذا انتسب إلى منظمة أو جيش في الخارج، وتدرب هناك على استخدام السلاح والقتال.


