ضم القرم لروسيا يفتح الطريق أمام ألمانيا لاستعادة كالينينجراد


الرؤية- مركز البحوث


في تقرير حمل في متنه تحليل وحقائق نادرا ما تقرأها في الصحافة الروسية، أفردت صحيفة موسكو تايمز مقالا مطولا، تحت عنوان " مع ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، هل يمكن لألمانيا استعادة كالينينجراد؟ "، تناولت فيه الحدود الأوربية التي تم وضعها خلال وبعد الحرب العالمية الثانية، وكان موضوع القرم هو القاسم المشترك في تناول هذه المسألة الشائكة ..


ويقول التقرير، إنه في لعبة شد الحبل بين روسيا والغرب، بعض الدول على ما يبدو أكثر اتساقا مع العدل والإنصاف من الآخرين عندما يتعلق الأمر بتصحيح "أخطاء" الماضي .. ففي خطابه إلى الأمة يوم الثلاثاء الماضي، قال الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، إن قرار الزعيم السوفيتي "نيكيتا خروشوف" بتسليم شبه جزيرة القرم إلى الجمهورية الاشتراكية السوفيتية الأوكرانية في عام 1954، كان "انتهاكا واضحا لقواعد الدستور في ذلك الحين." وصور "بوتين " في خطابه أن ضم شبه جزيرة القرم، هو تصحيح "لخطأ تاريخي"، معتبرًا أن المنطقة لعبت لقرون دورا حيويا في التاريخ والثقافة في روسيا.


ولكن روسيا سوف تنظر بالتأكيد بشكل مختلف في أي محاولات من قبل أي قوة أجنبية إلى ضم جزء من أراضيها الحالية، التي قد ترتبط بعلاقات تاريخية واضحة مع أي أمة أخرى - مثل منطقة كالينينجراد - الواقعة تحت السيطرة الروسية الآن، وهو معتزل الألماني تاريخي، خسرته ألمانيا لصالح الاتحاد السوفيتي في عام 1945 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.


وتقول الصحيفة الروسية أن ألمانيا حتى الآن ليس لها مطالبات بشأن إقليم كالينينجراد، المعروف سابقا باسم "كونيجسبرج"، ولكن بعض النظر عن هذا فإن اعتبار الإقليم من الأراضي الروسية أمر خاطئ تماما، كما في حالة "إقليم القرم " الذي كان يعتبره البعض كجزء من أوكرانيا.


ويقول البروفسور " انيسيس فيلدمانس" رئيس كلية التاريخ والفلسفة في جامعة لاتفيا، أنه يعتقد أن ضم كالينينجراد من قبل الاتحاد السوفييتي، وبالمثل "خطأ في التاريخ".. وكذلك، فما هو الفرق بين شبه جزيرة القرم وكالينينجراد؟


لقد تضررت المنطقة الألمانية "كونيجسبرج" خلال الحرب العالمية الثانية، حيث أمر ستالين في عام 1941 بترحيل 800.000 ألماني من غرب روسيا إلى سيبيريا وكازاخستان، خوفا من أن يكونوا بمثابة خونة وطابور خامس في الحرب ضد روسيا في حربها مع ألمانيا النازية . معظم الألمان المتبقيين في الإقليم فروا أو تم ترحيلهم بعد الحرب، في حين تم تكثيف الهجرة السوفيتية للإقليم والعمل على صبغه بالصبغة الثقافية واللغة الروسية.


كالينينجراد أو "كونيجسبرج"، هذا الجيب الذي تبلغ مساحته نحو 15.100 كم مربع، كان عاصمة " دوقية بروسيا " في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديان وهى جزء من مقاطعة بروسيا الشرقية الألمانية، قبل أن يجري تغيير اسمها إلى كالينينجراد في عام 1946 بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة ألمانيا، وقد سميت تيمنا باسم ميخائيل كالينين، الرئيس الأسبق للاتحاد السوفيتي..


ولقد كان يسكن المنطقة الفيلسوف الألماني الشهير "عمانوئيل كانط "، ولا تزال المنطقة تنضح بالتاريخ الجرماني، على الرغم من كونها كانت بمثابة منطقة عسكرية مغلقة في العهد السوفيتي، إلا أنه ولليوم مازال هناك ألمان يعيشون هناك وأن مثلوا أقل من 0.8 % من سكانه البالغ عددهم نحو 940.000 ألف نسمة، وتكوينه العرقي يتكون من الروس بنسبة 77.9 ٪ والبيلاروسيين 8.0 ٪، والأوكرانيين 7.3 ٪.


وهنا تختلف " كاليننجراد" عن " القرم"، من حيث التركيبة السكانية فشبه جزيرة القرم يقطنها الأن غالبية من أصول روسية والناطقين بالروسية.


وبالطبع هذا قد يفسر جزئيا لماذا لم تحاول ألمانيا أبدا اللعب بورقة "الخطأ التاريخي" لتقديم مطالبة بإعادة ضم اقليم " كالينينجراد" إلي أراضيها، ولم تلجأ إلي طريقة تبرير روسيا في ضمها لشبه جزيرة القرم..كذلك لا تنسى ألمانيا أن هناك حساسية في جميع أنحاء العالم إزاء العدوان الألماني بعد أهوال الرايخ الثالث في الحرب العالمية الثانية وهو أمر من المرجح أيضا أنه دفع "برلين" لعدم الاهتمام بأمر قضية " كاليننجراد".


ويقول "ديفيد زيبلات " أستاذ الحكومة في مركز جونزبورج سنتر للدراسات الأوروبية التابع لجامعة هارفارد "لا أعتقد أن ألمانيا اقترحت أو ناقشت في أي وقت مضى مثل هذه الفكرة، فقد أظهرت الأدلة التاريخية [من الحرب العالمية الثانية] أن مثل هذا السلوك قد يسبب عدم الاستقرار".


وهناك وجود بعض أوجه التشابه بين شبه جزيرة القرم وكالينينجراد وأهميتهما بالنسبة لروسيا، فكلا الإقليمين يتميزان بموانئ ذات موقع إستراتيجي فضلا عن كونهما موانئ في المياه الدافئة غير المتجمدة، ويعدان قواعد وموانئ وأصول عسكرية استراتيجية هامة لموسكو .


وحول موقف الغرب و قبوله بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، يقول " ايدجارز انجيزرز " وهو مؤرخ ومحاضر في أكاديمية البلطيق الدولية في "ريجا " عاصمة جمهورية لاتفيا " لقد وافق الغرب على أن تصبح كالينينجراد جزءا من الاتحاد السوفيتي في مؤتمر بوتسدام، عندما تم تقسيم أوروبا بين القوى الحليفة، وكانت الظروف في مرحلة ما بعد الحرب مختلفة جدا عن تلك التي نشهدها حاليا في شبه جزيرة القرم، وضم روسيا لشبه جزيرة القرم سوف يكون قبوله أكثر صعوبة بالنسبة للغرب في المستقبل".


كذلك فإنّ كان ويبدو أن موافقة الغرب على ضم روسيا لجيب " كيليننجراد" بعد الحرب العالمية الثانية جعل منه "خطأ تاريخي" لا رجعة فيه، على الأقل حتى الآن، إلا أنه مع التوتر المتصاعد بين موسكو والغرب، وخاصة مع جيرانها على الحدود مع كالينينجراد، التي أصبحت تشعر بقلق متزايد حول مصيرها مع تصاعد عدائية روسيا الجديدة.


وكالينينجراد يتوسط الحدود مع دول أعضاء بالناتو وهى بولندا وليتوانيا، وضم روسيا لشبه جزيرة القرم رسميا يوم الثلاثاء الماضي، أثار مخاوف من أن كالينينجراد يمكن الآن أن تستخدم كمنصة انطلاق لمزيد من التوغلات العسكرية الروسية في أوروبا.


خاصة وأن موسكو قامت في أوائل شهر مارس، بتدريبات عسكرية على الحدود في كالينينجراد مع بولندا وليتوانيا، شارك بها أكثر من 3.500 من الجنود الروس من أفواج المشاة وقوات خفر السواحل، وهى الخطوة التي نظر إليها على أنها تهديدا مباشرا لأمن البلدين، وطلبت بولندا وليتوانيا من حلف شمال الأطلسي الرد على تصرفات روسيا بواسطة تطبيق أحكام المادة 4 لمعاهدة المنظمة، التي تدعو لعقد مشاورات إذا كان عضو في التحالف يشعر بتهديد "السلامة الإقليمية أو الاستقلال أو الأمن السياسي".


خطورة إقليم كاليننجراد أيضا تنطوي على ملف آخر، ففي ديسمبر 2013 روسيا قامت بنشر منظومة صواريخ " اسكندر ذات القدرة النووية" الباليستية التكتيكية الى كالينينجراد، مما وضع دول البلطيق وبولندا في حالة تأهب قصوى، ولقد كان هذا الانتشار ردا على الخطط الأمريكية لبناء قواعد للدفاع الصاروخي في بولندا وجمهورية التشيك.


ويقول "فلاديمير أبراموف" وهو عالم سياسي روسي " كالينينجراد بالنسبة للغرب بمثابة مسدس نووي في قلب أوروبا، لكن في الحقيقة لا توجد أسلحة نووية هناك، والغرب يستخدم الخوف من روسيا لصالح أغراض السياسة الداخلية على الرغم من أنهم لا يعتقدون أن هذه المنطقة العسكرية يمكن أن تكون نقطة انطلاق لمزيد من عمليات الاحتلال الروسي الأخرى".