أحمد بن سالم الفلاحي –
Dreemlife11@yahoo.com –
عبر حوارية جميلة امتدت لساعة كاملة في احدى المحطات الاذاعية، استمعت، واستمتعت الى مجموعة الاطروحات التي تحدث بها المتصلون من دول مختلفة، الحديث كان يدور حول: إذا ما تقدم الى خطبة ابنتك شاب فقير ولكنه ذو اخلاق، وتقدم آخر ذو مال ولكن عليه ملاحظات من هنا او هناك، فأيهما ستقبله زوجا لابنتك، والسؤال المطروح بصورة ادق هو هل تشفع الاخلاق عن المال، والسؤال الآخر: هل يشفع المال دون الأخلاق؟
ما لا حظته من خلال هذه الحوارية الجميلة طوال فترة بث البرنامج ان مجموعة المتصلين من الرجال ركزوا أكثر على الأخلاق، وان المال يأتي فيما بعد، بينما مجموع المتصلات فكانت أقرب الى الانتصار الى المال اكثر، على اعتبار ان المسؤولية والزوجة يمكن ان يلعبا دورا في تقويم خلق هذا الرجل الذي اصبح زوجا، وقيل بصريح العبارة «يمكن يهديه الله»، وما أثار استغرابي اكثر أنه لم يقل احد «يمكن الله يرزقه»، وهذه يبدو إشكالية كبيرة في فهم العلاقة مع الله، ولأننا بحكم الفطرة التي تذهب الى المال اكثر من الذهاب الى الأخلاق، فكان استحضار الهداية في حضرة المال اقرب الى التفكير عن استحضار الرزق في حضرة الفقر، وهذا فهم مغلوط في موضوعية هذه العلاقة من ناحية، وفي وضعية المكان الذي يكون عليه صاحب الخلق الفقير، او صاحب المال السيئ السمعة.
وهذا ناتج بلا شك من المقاييس المادية التي يقاس على أساسها البشر في المجتمعات، قديمها وحديثها، فالسلعة الخلقية على الرغم من أهميتها الا انها ليس لها ثقل في ميزان تقييم الأشخاص، وتظل العين تذهب سريعا الى حيث المال، والى حيث المنصب، والى حيث الوجاهة الاجتماعية، وحتى الدين، ومن خلال الواقع، لا أراه يشكل ثقلا كبيرا الا اذا اسند صاحب بمنصب، او بقوة المال، اما بخلاف ذلك تظل الأمور تراوح مكانها وفق قناعات الناس المتوارثة أبا عن جد، ومستوى الوعي المتحصل من فهم الحياة، ومجموع الخبرات التي نكون عليها تركن كلها جانبا، ويستحضر المال للاحتكام الى أهم الأشياء في الحياة.
لا أحد ينكر ان المال هو عصب الحياة، وتقدمها، «فلم يبن مال على جهل واقلال»، ولكن هذا المال اذا لم يحصن بمجموعة من القيم فانه سيهلك صاحبه، ويورده موارد الخذلان، وفي الحياة قصص كثيرة، تعثر من خلالها أصحاب الأموال، واصبحوا في آخر القائمة، كما يقال، حيث هلكوا في المال والولد، (واذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها، ففسقوا فيها، فحق عليهم القول فدمرناهم تدميرا). يلعب بريق المال، حيث الذهب والفضة دورا محوريا في تغريب القناعات، وفي تقزيم المبادئ، وفي تغيير الاتجاهات، «وكل من عنده مال اليه الناس قد مالوا»، ومع ذلك – وعودة الى ما أثير في موضوع هذا البرنامج – على أولياء الأمور ان ينتصروا الى القيم الخلقية، ومن هو فقير اليوم سيكون غنيا غدا، والرزق بيد الله سبحانه وتعالى، فالتغير للأحسن وارد، وكما نشاهد اليوم في واقع الناس، أناس كانوا فقراء ومعدومين، أصبحوا اليوم بفضل الله، ميسورين، وعلينا حقا ان نضيف الى «يمكن يهديه الله» مفهوما آخر «يمكن يرزقه الله»، فالهداية والرزق، وكل ما يتعلق بما يسر هذا الانسان ويضره هو من الله، وليس في مقدور البشر ان يحركوا قيد أنملة في هذه الحقيقة.


