أحمد بن سالم الفلاحي –
Dreemlife11@yahoo.com –
كل وسط أيا كان نوعه تحكمه مجموعة قواعد تحكم تفاعلاته، ونشاطاته، وتحكم علاقاته بالآخر، وبمستوى الحراك الذي يعيشه، هذه القواعد من شأنها أن تجسر الكثير من العلاقات الأخرى المحيطة بهذا الوسط، وتكون بمثابة العنوان الرئيسي الذي يتعارف عليه الآخرون ليكون محددا مهما في تسهيل، وتجسير مختلف العلاقات بينه والأطراف الأخرى، وهذا الأمر ينطبق على كل تجمع أو وسط، بغض النظر عن نوعيته، وأنشطته، وعلاقاته المختلفة بجميع الأطراف المكونة لبيئة ما، ومتى فقد الوسط هذه الصورة كتب على نفسه الهلاك.نعم قد تختلف هذه القواعد بين البيئات المختلفة، فالقواعد الحاكمة لبيئة العمل غيرها المكونة للبيئة الاجتماعية للمجتمع ككل، غيرها الحاكمة لبيئة الأسرة، كوحدة في المجتمع، غيرها الحاكمة لبيئة اقتصادية، أو اجتماعية، أو ثقافية، وبالتالي كلما توسع المجتمع في احتواء عدد من البيئات كلما مال إلى التنوع المفضي إلى التعقيد، وفي المقابل كلما تعقدت مجموعة القواعد المنظمة، وهذا ما ينطبق أكثر على بيئات المجتمعات التقليدية على وجه الخصوص، لأن المجتمعات الحديثة مالت الى الفردية، وإذا تتحرر من بقية الالتزامات الاجتماعية كانت أقرب إلى التحرر من كثير من القيود، وبالتالي فحرية تحركها أقرب التخلص من كثير من العقد التي ترافق المجتمعات التقليدية، وما ينطبق على الصورة المجتمعية بشكل عام، ينطبق على الأسرة، بشكل خاص، وكذلك ينسحب الأمر على التكتلات الدولية التي تحكمها مثل هذه القواعد المتعارف عليها، وان كان تنصل هذه التكتلات عن قواعدها يخضع أكثر ما يخضع لـ«المصالح» سواء كانت متبادلة، أو مصالح ذاتية يقرها تكتل ما لصالح ذاته، وخدمة برامجه وأنشطته، ويؤمن القدر الكافي من بقائه واستمراره في المستقبل.
ولذلك يرى كثير من المراقبين، وخاصة في عالم السياسة، لا قواعد، ولا قيم في هذه البيئة بالذات، ذلك لأنها مبنية على مفهوم السوق القائم على الربح والخسارة، وبالتالي يظل الخضوع للقواعد وفق ما يمليه تحقيق المصالح فقط، وبخلاف ذلك يكون النداء بهذه القواعد كمن يمشي خلف السراب المفضي إلى الموت، كما هو معلوم بالضرورة، ولذلك نرى اليوم في الواقع مدى معاناة الشعوب الضعيفة في العالم، وهي التي تتعرض لانتهاكات حقوق الإنسان، على الرغم من أن مواثيق منظمات الأمم المتحدة -التي يفترض أن يحتكم إليها- كلها لا تنتصر للحق والعدالة، والأمن والاستقرار، ولأن القرار يبقى دائماً في يد صاحب القوة، فإن كثيراً من قيم منظمات الأمم المتحدة مغيبة على أرض الواقع، وكأن الأمم لا تزال تكتوي بمفهوم «الغابة» وهو المفهوم القائم على القتل، والتدمير، وانتهاك الحقوق الإنسانية، فتعيش الأمم الضعيفة في معاناة دائمة؛ لأن الحياة للأقوى، كما يروج دائماً.
يقول الدكتور وحيد عبد المجيد، في مقال له بعنوان؛ ماذا يبقى من قواعد النظام العالمي، نشره في مجلة السياسة الدولية، في عددها (198)، الصادر في أكتوبر 2014م، ما نصه: «عندما تغيب القواعد، أو تضعف، تزداد فجوة عدم الثقة، وتؤدي ليس فقط إلى تفاقم نزاعات، بل أيضا إلى ظهور خلافات كان ممكناً تجنبها، فهذه القواعد هي التي تضع سقفاً لانفلات الأفعال وردود الأفعال، وبالتالي تصاعد الأزمات، وبلوغ بعضها حافة الهاوية».
والمتتبع لسير البشرية، حسب ما يعيش، يجد هذا هو حالها، ولم تأت، ولن تأت فترة مزهرة في حياة الشعوب يكون فيها الصوت الأعلى للقواعد التشريعية، وللقيم الإنسانية، التي تنتصر إلى العدالة والإنصاف، والرحمة والإشفاق.