نوافـذ: ولا تزال التجاوزات مستمرة

أحمد بن سالم الفلاحي –

Dreemlife11@yahoo.com –

كشفت مصادر الهيئة العامة لحماية المستهلك خلال هذا الأسبوع – كما قرأتم – عن وقوع شبكة أخرى في يد القانون على أثر «ضبط شركتين في جريمة بشعة كادت ان تشكل كارثة في حق المستهلك حيث كانت الشركتان تتلاعبان بتاريخ الإنتاج وبلد المنشأ وتقومان بإعادة تغليف الحليب المجفف، وذلك بتغيير العلب والاكياس، واستبدالها بتواريخ جديدة لفترات طويلة …» – حسب النص المنشور – وهذا الموقف اليوم، لا يسجل فقط، تجاوزا جديدا في حق المستهلك، كحال التجاوزات المستمرة، ولكن يعكس ملمحا خطيرا، وهو عدم اكتراث هؤلاء الناس بمدى جدية التشريع، واهميته، وقوته، بغض النظر طبعا عن هل حياة الناس تشكل لهم أهمية أم لا ؟، لأن مجموع المحاكمات السابقة التي تمت في مثل هذه المواقف لم تكن بالصورة المتوقعة، حيث وصلت الى الحد الأدنى من العقوبات، وذلك مرجعه لضعف التشريع الحالي نفسه، قبل صدور قانون حماية المستهلك والذي لم ير النور حتى الآن على الرغم من الفترة الزمنية الطويلة منذ أن رفعه مجلس عمان قبل بداية شهر رمضان المبارك، والذي شهد مناقشته الختامية اول جلسة مشتركة لمجلسي الدولة والشورى نظرا لحساسية المواد التي يتضمنها، والتي تنتصر الى المستهلك بصفته أول من يتلقى مأزق هذه التجاوزات التي يصر على ارتكابها بعض التجار ممن انعدمت فيهم الانسانية، ورأوا في الربح المادي هو السبيل الأمثل للحياة.

وحتى مع صدور قانون حماية المستهلك المرتقب بنصوصه الحازمة هذه المرة، فإنه لا يتوقع ان تنتهي مثل هذه التجاوزات، لأن هؤلاء بشر، والبشر تتحكم فيهم أهواء النفس واطماعها، ويظلون هكذا يبحثون عن الثغرات التي لن يخلو منها اي قانون، لأنه من صنع البشر، ولذلك ستظل الحاجة الى تجديده ملحة مع كل فترة زمنية تمر، لأن الأساليب التي يأخذ بها هؤلاء الذين ماتت ضمائرهم محدَثة باستمرار وذكية باستمرار لأن الوسائل التي تنفذ بها الجرائم وسائل حديثة ومتطورة، وعلى الجهات الرقابية في المقابل ان تكون اكثر تطورا، واكثر تأهيلا، وجميعنا بلا شك يشد على أيدي الاخوة في مختلف الاجهزة الرقابية، وعليهم ان يضربوا بأيد من حديد على هؤلاء الذين باعوا ضمائرهم للمادة.

وفي هذه اللحظات يتمنى الجميع ان لا يكون من بين هؤلاء احد من ابناء هذا الوطن، والا ستكون كارثة، وان كان الانسان في عموميته ليس معصوما من الخطأ، وان كان هناك فرق بين الخطأ والخطيئة، فالأول مقبول، لأنه يأتي من غير قصد في كثير من الأحيان، والثانية «الخطيئة» مرفوضة لأنها تأتي مع سبق الاصرار والترصد، وهذا ما لا نود ان نتوقعه من أبناء هذا الوطن الذي يراهن الجميع على ان الغالبية العظمى من ابنائه هم في مستوى المسؤولية والأمانة، والاخلاص، والخوف من الله قبل كل شيء.

لا نريد ان نحتكم إلى عواطفنا في مثل هذه المواقف، فبقدر إيماننا بنسبة الخطأ المرتكبة في اي فعل كان، بقدر ايماننا بضرورة ان يأخذ القانون مجراه بكل تجرد امتثالا لقوله تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو اقرب للتقوى)، ولأن مثل هذا الفعل واضح فيه القصد وتبييت النية للاساءة الى المستهلك، فإننا نضم أصواتنا الى الاصوات التي تنادي بضرورة انزال اشد العقوبة بحق هؤلاء المرتكبين لهذه الجريمة، فلعل لهذا العقاب يترك اثرا ايجابيا على مجموع النفوس المتربصة لذات الفعل، بعد أن تمادت الأخرى انعكاسا لمجموعة الاحكام، التي نظر اليها على انها غير كافية في الجرائم المماثلة التي حدثت في الماضي.