الرسام محمد مطيمط .. ذاكرة الإبداع الخالد

محمد الشحري –

لا أدري لماذا أتذكر الآن الرسام التونسي الراحل محمد مطيمط ؟، هل هي ذكرى عابرة ؟ أم هو شعور الفقدان الذي يجتاح الأصدقاء بعد رحيل أصدقائهم خاصة إذا ألحت الأمكنة على استدعاء ذلك الشعور من مكامن النفس التي يتربص بها الرحيل، في الحقيقة لا أجد أية أجوبة لهذه الأسئلة فالرجل قد رحل في شهر فبراير 2011 عن عمر يناهز 73عاماً، ولم أكتب عنه في رحيله ولا في ذكراه الأولى ولا الثانية، لكنني حينما مررت مؤخراً بمرسمه في باب الخضراء بالعاصمة أثناء ذهابي إلى وزارة التعليم العالي، اجتاحتني عاصفة من الذكريات البكماء نحو الرجل الذي أتردد على مرسمه كلما مررت بوسط البلد إذا أرادت عينيّ رؤية الجمال، هاربا من محاصرة الأبنية الأسمنتية، مرسمه الذي يحج إليه رسامين من مختلف الأعمار صغاراً وكباراً حيث خصص كل يوم لفئة عمرية من الرسامين ذكوراً وإناثاً، وكنت استمتع بمشاهدة لوحاته وأعماله الفنية ونصائحه لطلابه، وأذكر أنني كتبت عنه مقالة في عام 2006.

إن الرسامين كُثر لكن قلة منهم من يحاورون أحاسيسنا ويخاطبونها عبر حركات الفرشاة والألوان دون وسيط ينقل لنا ما نراه أمامنا، ومنهم الرسام محمد مطيمط الذي أبدع في الرسم وفي النحت وفي النسيج، لأن الإبداع مهارة تجعل من صاحبها مميزاً في كافة الأعمال. جميل أن تزور الفنان في مرسمه وترى بنفسك كيف يرسم لوحته ؟، معبراً عن أفكاره وهاجسه الداخلي على المساحات البيضاء الفارغة، لكن الأجمل أن تزور فنانين من طينة الرسام الكبار أمثال الرسام مطيمط، الذي طوع مجالات الفن التشكيلي لأسلوبه المتفرد في الرسم كأن أرواحاً فنيةً خفيةً تسكنه، وهي التي تهدينا تلك الأعمال المعروضة، من لوحات مائية وزيتية ونحت، وخزف وفسيفساء ورسم بالفحم والحبر الصيني، بالإضافة إلى النسيج الفني الذي يعتبر أول تونسي أسس هذا الفن وأبدع فيه، وعن شغفه بهذا الفن يقول مطيمط : (كانت أمي تنسج الغرارة والكليم من الوبر والصوف، والحصيرة من القصب،والقفة من الحلفاء، فتعلمت منها كيفية النسيج)، كما أنه نفذ أعمالاً في الهواء الطلق أسوة بالانطباعين كي يتمكن من رسم الطبيعة كما هي، بل رسم حركة المتحرك وسكون الساكن، ولم يسلم المسرح من إبداع محمد مطيمط، مثل تنفيذ ديكور العديد من المسرحيات وعلاقته ببعض المسرحيين، ومن الطرائف التي مرّ بها مطيمط في حياته الفنية هي تلك التي يرويها حين كان يرسم كاتدرائية باب البحر في أوائل الستينات، وكانت الجموع ملتفة حوله لمشاهدة عمله وإذا بأحد أفراد الشرطة يفرق تجمع الناس بحجة أن التجمع بغير رخصة ممنوع. الجدير بالذكر أن محمد مطيمط قد ولد بجرجيس في الجنوب التونسي عام 1938م، وفي عام 1962م حصل على دبلوم من مدرسة الفنون الجميلة، وفاز بمنحة لزيارة العديد من البلدان وكان من المؤسسي لاتحاد الفنانين التشكيلين التونسيين بمؤتمر الحمامات عام 1968، وأسس رابطة مع مجموعة من زملائه الفنانين تسمى «مجموعة 70».وقد حصل على العديد من الجوائز والشهادات التقديرية، يعرض بانتظام منذ 1963م إلى الآن معارض فنية في الجمهورية التونسية في العاصمة ومدينة سوسة وبنزرت وصفاقس والكاف والقيروان وجندوبة وباجة وقفصة ومدنين وجرجيس، كما قام بتنفيذ المجسمات للعديد من واجهات المدن التونسية، وأنجز رسوم حائطية بمادة الخزف في قفصة وسوق الجملة ببئر القصعة ووكالة أفريقيا للسياحة، والمكتبة العمومية ببن عروس.

هكذا نتذكر الأصدقاء فجأة ودون مناسبة، وبقدر ما نكتب عنهم لإسكات النفس اللوامة بقدر ما هي محاولة للتذكير بأعمالهم، وبالأعمال الفنية التي تركوها خلفهم.