في زاوية أقلام كتب يحيى رباح، مقالا بعنوان: سامر العيساوي يصعد إلى القدس من جديد جاء فيه: الله أيتها الحرية ما أجملك! وما أقدسك! وكم هتفت عفوياً وأن أشاهد البطل الفلسطيني الذي يضاف إلى قائمة الأساطير سامر العيساوي، وهو يخرج من سجن “عوفر” الإسرائيلي على أطراف مدينة رام الله، بعد جولة استمرت في عدة سجون إسرائيلية، قضى منها تسعة شهور، ثلاثين نهاراً وليلة في كل شهر، بأربع وعشرين ساعة في كل يوم، بستين دقيقة في كل ساعة، وهو يشهر في وجه الاحتلال الإسرائيلي وما يمثله من عدوان وعنصرية وقوانين ظالمة ورثوها من زمن الاستعمار القديم، سلاحاً خارقاً وجديداً وملهماً وعجيباً، سلاح الأمعاء الخاوية، لا درع ولا سيف، لا دبابة ولا مدفع، بل سلاح الأمعاء الخاوية! أرجوكم ألا تعذبكم الدهشة، أليس الفلسطينيون هم الذين أنتجوا انتفاضة الحجر، وثورة بساط الريح، وديمقراطية غابة البنادق، والاختباء بأقصى حالات الخطر، ونظرية الانتشار أو الانفجار، وإذاً، فإن سامر العيساوي وهو سليل أولئك الفلسطينيين، مناضل من أبناء هذا الشعب الفلسطيني، شعب يجيد إلى حد الإعجاز الصبر على المكاره، والقيامة من الموت منذ قام من فلسطين وليس من أي أرض سواها السيد المسيح الذي نحتفل في فلسطين من كنيسة المهد إلى كنيسة القيامة بمولده وقيامته، وفي هذا السياق المديد العظيم المجيد، فإن سامر العيساوي صنع هو الآخر ملحمته ومعجزته ورقمه القياسي الذي حطم من خلاله كل الأرقام في العالم، الإضراب عن الطعام تسعة شهور لإسقاط جريمة كبرى دأبت إسرائيل على ارتكابها في ظل قوانين لا علاقة لها بمعنى القانون أو العدل أو الحق وهي جريمة الاعتقال الإداري أو الحجز الإداري الذي كان سامر العيساوي واحداً من ضحاياه، فقد خرج من السجن الذي قضى به سنوات طويلة في صفقة شهيرة لتبادل الأسرى، ولكن إسرائيل عادت واعتقلته من جديد، تحت عنوان الحجز الإداري، وقرر هو من جانبه إسقاط هذه الجريمة، وهذا ما كان فعلاً، وها هو سامر العيساوي، عبر تضامن عظيم من زملائه وأبناء شعبه، يخرج من السجن الإسرائيلي ويصعد إلى القدس من جديد.
ربما يأتي باحثون على درجة عالية من الاهتمام والخبرة والتشوق إلى المعرفة ليبحثوا بعمق كيف استطاع شاب فلسطيني أن يصمد في معركة الأمعاء الخاوية تسعة أشهر بأيامها ولياليها وساعاتها ودقائقها وثوانيها، وفي وجه كل مؤامرات سلطات السجون لإجباره على فك الإضراب عن الطعام بما فيها الترهيب والضرب والتعذيب النفسي وبث الشائعات وجره من سجن إلى آخر، كيف حدث ذلك كله؟ قال ربك هو علي هين، صدق الله العظيم، أصحاب المعجزات يضيء الله قلوبهم، فيصبح المستحيل ممكنا، ويصبح الخارق عادياً، ويصبح المدهش مألوفاً!
وأنا أتابع قضية سامر العيساوي وقد شاركت في أول خيمة اعتصام تضامن معه في غزة، سمعت والدته القوية الفصيحة تقول” كان يصبر وكنت أصبر معه، يجوع فأشاركه، ويضرب عن الطعام فأضرب عن الطعام أيضاً” مبروك يا سيدتي، لك الحق أن تطلقي الزغاريد أو أن تذرفي الدموع، لأن الدموع أعظم بوابات الفرح.