نوافـذ – دعوا قلوبكم تسمع

ahmed alfalahi

أحمد بن سالم الفلاحي -

Dreemlife11@yahoo.com -


يوقظ أنين القلوب النفوس من غفلتها فيوهبها الحياة، والحياة على اتساعها لن تستطيع أن تلبس مظهرا ربيعيا إن لم تساندها قلوب تتسع لكل إرهاصاتها، والتي تكون في كثير من الأحيان قاسية على من يعيش على سطح الكرة الأرضية، فالمساحة المتاحة لمناخات القلوب كثيرا ما تضيق كلما أوغل الإنسان في تعقيدات الحياة، ومشاغل الإنسان فيها، ولذلك يمكن تهنئة القلوب التي تتهامس بالرضا في وسط هذه الزحمة المفتعل بعضها، والفارض نفسها بعضها الآخر.

ووفق مرئيات الحياة اليومية نرى أن همس القلوب بدأت تضيق مساحته شيئا فشيئا، وتأتي التكنولوجيا لتزيد من تفاعل هذه المساحة الضيق إلى حد بعيد، وهذه خسارة كبيرة في قاموس الإنسانية، حيث تتجرد الحياة من إنسانيتها شيئا فشيئا، ارتضينا بواقع كهذا أم لم نرتض، فهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، بل هي إحدى المسلمات المهمة اليوم، ونقولها: “للآسف الشديد”، لأن هذا التجرد يجر وراءه تداعيات أكثر خطورة، فالحياة قائمة على اجتماعيتها، وليس العكس، فالإنسان كما هو معروف كائن اجتماعي، تمثل فيه الاجتماعية شيئا رئيسيا لإعطائه مقوما مهما للبقاء، والاستمرار مع من حوله، حتى ولو كان الذي حوله جمادا لا ينطق بكلمة واحدة، لأنه من أشد المفاهيم القاسية على هذه الحياة، وهو توغل مفهوم السوق، القائم على الربح والخسارة في حياة الناس.

ولقد أثار انتباهي عبارة رائعة جاءت عبر رسائل “الواتس آب”، ونصها يقول: “ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺍﻟﻤﺘﺨﺎﺻﻤﻮﻥ ﻳﺮﻓﻌﻮﻥ ﺃﺻﻮﺍﺗﻬﻢ ﻭﻳﺼﺮﺧﻮﻥ ﻓﻲ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻭﻫﻢ ﻗﺮﻳﺒوﻦ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ، ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ: ﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﺍﺑﺘﻌﺪﺕ ﻓﻴﺤﺘﺎﺟﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﺮﺍﺥ ﻹ‌ﻳﺼﺎﻝ ﺃﺻﻮﺍﺗﻬﻢ ﻭﺍﻟﺪﻟﻴﻞ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺘﺤﺎﺑﻴﻦ ﺗﺠﺪﻫﻢ ﻳﻬﻤﺴﻮﻥ ﺃﻭ ﺗﻜﻔﻴﻬﻢ ﺍﻟﻨﻈﺮﺍﺕ ﻷ‌ﻥ “ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﻊ”.

وعندما نسقط هذا المفهوم على الطرح الذي نعالجه في هذه العجالة، فإنه يمكن القول أننا فعلا أصبحنا في وضع يحتاج إلى إعادة قراءة لكثير من ممارساتنا في هذه الحياة، والذي يبعد القلوب أكثر ليس فقط في آلية الصراخ “الميكانيكية”، وإنما كل ممارساتنا التي تبعدنا عن بعضنا البعض من شأنها أن تزيد من اتساع الهوة بين القلوب، والتي هي – في حقيقتها – تحتاج إلى أية محطة إنسانية تقربها من بعضها، وتلغي عنها حواجز البعد، والفراق، والشقاق، والذي لا يعكس سوى سوء الأخلاق في بعض الأحيان، ولعلنا نركن أكثر إلى قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها والتي تقول في نص يروى عنها؛ قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :” الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ “.

وكما هو معروف بالضرورة، إن حياتنا اليومية محقونة بشيء من هذا الاختلاف، ولولا ذلك لما تصارعت الدول، وتحطمت الممالك الإنسانية، وهي صورة معايشة منذ بدء الخليقة، ولعل من أوقظ شرارتها الأولى هما ابنا جد البشرية آدم عليه السلام عندما تقاتل قابيل وهابيل، حيث بفعلهما هذا نشأ أول صدام لهذه القلوب الطرية، ولعله قدر كتب على جبين أبناء آدم إلى يوم يبعثون، ومع التسليم لهذه القدرية التي نعتقد علينا أن نكافح أكثر في سلم معظم التراكمات إن لم يكن كلها، للبقاء على قدر كبير من تصالح القلوب، وعلينا أن نعي مقدار الخسارات الإنسانية التي يتكبدها هذا الإنسان من جراء اختلاف القلوب، وتعاظم العداوات على امتداد حياوات الناس الماضية، واللاحقة على ما يبدو، حيث لا تغيير في سلوكيات الإنسان، ولعلها سنة الله في خلقه.