د. فالح حسن – اعلامي من العراق – يقيم بموسكو -
وتناقش الدوائر الليبرالية فيما إذا كان قرار الرئيس بوتين، الذي كان بواسطة من جهات المانية رفيعة المستوى، مجرد حالة شخصية أم أنه نهج نحو انفراج الوضع السياسي الداخلي والاستجابة لمطالب الغرب باحترام حقوق الانسان (وفق المقاييس الغربية) والكف عن ملاحقة أقطاب المعارضة السياسية وإطلاق سراح المزيد من عناصرها الذين اتهموا بجرائم اقتصادية أو جنائية، أم أن العفو عن خودوروفسكي خطوة استثنائية؟.
واتهم القضاء الروسي ميخائيل خوردوفسكي بالتهرب، باعتباره رئيس شركة النفط العملاقة «يوكوس» عن تسديد الضرائب بأموال ضخمة، وتورط عدد من أعضاء فريقه بجرائم جنائية بينها قتل المنافسين، وهي ممارسات انتشرت بين وسط رجال الأعمال الروس في بداية التسعينات حينما جرى تنافس حامٍ على تقاسم ثروات وممتلكات الاتحاد السوفييتي السابق. فهل كان خودورفسكي ضحية منافسة اقتصادية أم سياسية؟. البعض يرى أن الإفراج عن خودورفسكي «أشهر معارض» جاء لتحسين صورة روسيا عشية إجراء الالمبياد الشتوي في منتجع «سوتشي» على البحر الأسود في نهاية يناير المقبل، وترؤسها مجموعة الثمانية الكبار مع بداية عام 2014؟، أي خطوة محسوبة لارضاء الرأي العام الغربي الذي اعتبر قضية خودوركوفسكي قضية سياسية وملاحقة للقطاع الخاص والاثرياء الذين لم تعتد عليهم الذهنية الروسية ذات الاصول السوفييتية.
ويذكر أن المحكمة الأوروبية أيدت موقف القضاء الروسي، وقالت انها لم تحصل على براهين تؤكد وجود أبعاد السياسية في قضية «يوكوس» وصاحبها وانها قضية اقتصادية محضة. ولكن البعض يشير إلى أن بمقدور النيابة العامة الروسية العثور على مستمسكات كافية لإدانة أي رجل أعمال غير مرغوب به من قبل السلطة العليا، وإنها ادانت ميخائيل خودورفسكي بطلب من القياة الروسية؛ لأنه شرع بالتدخل في العملية السياسية في البلاد ومول المعارضة، وبذلك هدد القيادة الروسية، فما الدور الذي سيلعبه خودوركوفسكي وهو طليق. وهل سيلعب دوراً سياسياً أم يكتفي بدور رجل اجتماعي؟.
لا يتوقع السياسيون والخبراء تداعيات سياسية جدية للإفراج عن ميخائيل خودوركوفسكي بقرار عفو رئاسي. وثمة تقديرات تقول إن «خودوركوفسكي المطلق السراح «لن يؤثر في السياسة الداخلية» أكثر من «خودوركوفسكي رهين السجن». وعلى أي حال لا يتوقع حدوث تغيرات سياسية كبيرة في النظام الداخلي لروسيا سواء السياسيون المعارضون أم الباحثون السياسيون. لكن من الناحية العملية لا تراود أي أحد الشكوك في أن «خودوركوفسكي سيصبح زعيما للرأي العام».
ان زعماء «الأقلية الديمقراطية» في الطيف السياسي الروسي استقبلوا بتفهم رفض ميخائيل خودوركوفسكي علنا ممارسة أي نشاط سياسي. ولو أنهم وصفوا «الأوليجاركي السابق» طوال السنوات العشر، التي قضاها في السجن بأنه «سجين سياسي».
ولا يتوقع السياسيون حدوث أية تغييرات في السياسة الداخلية. وأعلن بوريس ناديجدين رئيس كلية الحقوق العضو السابق في قيادة الحزب السابق «اتحاد القوى اليمينية» قائلا: «إن روسيا قد حسنت قليلا صورتها لدى الاتحاد الأوروبي». ولكنه لا يستثني احتمال ان الوضع السياسي في البلاد ربما كان سيتغير لو أن خودوركوفسكي مارس السياسة. بيد أن «واقع العفو عنه – هو قرار شخصي اتخذه بوتين حيال خودوركوفسكي شخصيا». واعرب ناديجدين عن ثقته بأن هذا ليس «جزءاً من الدفء الشامل». واشار ميخائيل يميليانوف نائب رئيس كتلة «روسيا العادلة» في مجلس الدوما «ان الإفراج عن خودوركوفسكي تم بالذات؛ لأنه لا يمثل أي خطر سياسي على النظام».
وقال بوريس ماكارينكو عضو الهيئة الإدارية لمركز التكنولوجيات السياسية أن خودوركوفسكي سيصبح بعد الإفراج عنه «زعيما للرأي العام». ويعتقد يفغيني ميتشينكو المدير العام للمعهد الدولي للخبراء في مجال السياسة انه حتى إذا لا يشارك في السياسة «سيمارس تأثيره قبل كل شيء في القطاع الديمقراطي». ويتنبأ الخبير أن النشاط الاجتماعي، الذي لن يتخلى عنه خودوركوفسكي سيولد مشاغل كثيرة لدى نوفالني وميخائيل بروخوروف.
ويعتقد بعض الخبراء أن الرئيس بوتين سيكون المنتصر معنوياً في القصة الطويلة حول انهيار مؤسس شركة «يوكوس». وأشير إلى «أن الكرملين نفذ خلال 3-4 أشهر الاخيرة مطلبين من المطالب الرئيسية التي رفعتها قوى المعارضة وهما:1) إجراء انتخابات شفافة (نسبيا)، وعلى أقل تقدير في موسكو، و2) البدء بالإفراج عن الذين يعتبرون من السجناء السياسيين».
وكتبت صحيفة «فيدوموستي» تقول: «الآن بعد الإفراج عن خودوركوفسكي يجمع المستثمرون والاقتصاديون وأصحاب البنوك وحتى الموظفون كلهم تقريباً على أن القرار هذا لا يؤثر على الجاذبية الاستثمارية لروسيا وان الكرملين لا يخاف ممن خودوركوفسكي كرجل سياسة».
ويرى الخبراء بصدد قرار الكرملين بالإفراج عن خودوركوفسكي انه لم يعد يشكل خطراً على السلطة. وحتى اذا ما غير خودوركوفسكي قراره فإن من شأن ذلك ان يعزز مواقع فلاديمير بوتين. العاملة المؤثرة». وبرأي بافلوفسكي «ان خودوركوفسكي يمكن أن يصبح شخصية اجتماعية كبيرة».
ويعتقد ليف غودكوف مدير مركز ليفادا ان خودوركوفسكي لو بقي في السياسة فانه سيصبح زعيما لا أكثر قوة فعلا من المعارضين الليبراليين الاخرين «بروخوروف» و«نافالني» مجتمعين.