مريسا بورهيس -
ترجمة قاسم مكي -
نيويورك تايمز -
شهد الأسبوع الفائت مرور ثلاثة أعوام على الانتفاضة السورية ضد بشار الأسد، والتي يزداد مستقبلها كآبة. فمحادثات السلام التي جرت في جنيف الشهر الماضي خلَفت شكوكا حول مستقبل المفاوضات. لقد فشلت سوريا في استيفاء معايير القضاء على الأسلحة الكيماوية، ومن المرجح ألا تلتزم بالموعد المقرر لتدمير كامل ترسانتها بحلول 30 يونيو. ويزداد العنف بين النظام والثوار. وطوال هذا الوقت ظلت واشنطن تركز بشدة على الانقسامات الداخلية لسوريا. ولكن مع تدفق مئات آلاف اللاجئين إلى الأردن ولبنان وتركيا والعراق فقد تمددت الأزمة بعيدا إلى ما وراء حدودها. ومن اللازم إذن البدء في معالجة التداعيات السورية الآن قبل أن يسوء الوضع أكثر. والأردن هو أفضل مكان للشروع في مثل هذه المعالجة. إن انتقال ما يقرب من 600 ألف لاجئ إلى داخل الأردن يجهد اقتصاد البلد وبنياته الأساسية وخدماته الاجتماعية. وفي حين ظلت الصحافة العالمية تركز أضواءها بشكل رئيسي على مخيم الزعتري للاجئين والذي يأوي 100 ألف سوري إلا أن الأغلبية الساحقة من اللاجئين استقرت في المناطق الحضرية في الأردن، خصوصا تلك التي تقع بالقرب من حدودها الشمالية مثل مدينتي المفرق والرمثاء. وقد أوشك الطلب المتزايد على السكن وتدفق الدعم من المنظمات غير الحكومية العالمية أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار الإيجارات إلى ثلاثة أمثالها في هذه المدن. وذلك ما من شأنه أن يدفع بالعديد من الأردنيين إلى إخلاء مساكنهم وبالسوريين إلى المزيد من الديون. وتعجز المدارس الحكومية عن استيعاب التلاميذ فيما يحاول مسؤولو التعليم إدراج ما لا يقل عن 85 ألف تلميذ لاجئ في هذه المدارس. وهذا الرقم يمثل فقط نصف السوريين الذين هم في سن الدراسة ممن يقطنون الآن بالأردن. كما تعاني المستوى ذاته من الإجهاد المستشفيات الأردنية وخدمات المجاري وإمدادات المياه. وكان أحد الشبان السوريين قد ذكر لي في يناير أنهم يجعلون حياة الأردنيين “الشاقة أكثر مشقة”. وفي بلد يعتبر منذ فترة طويلة أحد أكثر بلدان المنطقة استقرارا فإن هذه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية كافية لإثارة القلق. ولكن ربما أن ما هو أكثر مدعاة للقلق، بالنسبة للمصالح الأمريكية، شروع الأردنيين في الاعتقاد بأن حكومتهم (والمجتمع الدولي) يقدمان المساعدة للاجئين السوريين على حسابهم. وفي حين أن هذه التوترات لم تؤدِ حتى الآن إلى أعمال شغب أو انتشارٍ للعنف إلا أن المراقبين الأردنيين يخشون أن الوضع قد لا يستمر على هدوئه الحالي. وكما ذكر لي أحد المسؤولين الأمنيين الأردنيين فإن اللاجئين قد يجلبوا للأردن “ربيعا عربيا جديدا”. إن مثل هذه القلاقل لن تكون مدمرة بالنسبة للأردن فقط ولكن من شأنها أن تحرم الولايات المتحدة من شريك حاسم الأهمية في جهود حل الأزمة السورية وإصلاح حال العراق وتحقيق تقدم في التوصل إلى اتفاق إسرائيلي فلسطيني. ولتجنب المزيد من زعزعة الاستقرار في الأردن فإن على واشنطن وعمان العمل الآن لاحتواء التداعيات السورية. أولا، على كلا البلدين البحث عن حلول في الأجل المتوسط والبعيد ونقل بؤرة اهتمامهما من التأكيد على إجراءات العون الإنساني العاجلة والمؤقتة إلى الجمع بين العون ومساعدات التنمية. وهذا يعني جزئيا دعم طلب الأردن مؤخرا بالحصول على 4.1 بليون دولار من المجتمع الدولي لتحسين الصحة والتعليم والخدمات العامة الأخرى التي يستخدمها اللاجئون السوريون في المناطق الحضرية. ولكن مثل هذا العون يجب أن يرتبط بمطالب تتعلق بتحقيق دمج أفضل للاجئين السوريين في الاقتصاد الأردني. يجب على الأردن أن يستثمر مهارات مقيمية الجدد (رغم أنهم مقيمون مؤقتا) وتغيير أذونات العمل لتمكين المزيد من السوريين من الحصول على وظائف قانونية وتشجيع اللاجئين السوريين على الشروع في أنشطة اقتصادية توظف عمالا محليين والسماح للوكالات الدولية بتشغيل السوريين في المشروعات التي لها علاقة باللاجئين. قد تستثير هذه الإجراءات معارضة من بعض الأردنيين الذين يخشون من أن بلدهم كثيرا ما صار ملاذا للاجئي المنطقة بمن فيهم ذلك العدد الكبير من الفلسطينيين(الذين لجأوا إليه) منذ تأسيس الدولة الإسرائيلية في عام 1948 والعراقيين في أثناء حرب الخليج في عام 1991 والغزو الأمريكي في عام 2003. ولكن الأردن يحصل على منافع مهمة من وجود السوريين بما في ذلك البلايين من أموال العون المخصص لحل قضايا أردنية سابقة لأزمة اللاجئين. إن دمج السوريين في السوق الأردني قد يساعد في تنشيط الاقتصاد الهامد ويعين على دعم قدرة اللاجئين على الاكتفاء الذاتي والمحافظة على مضاء عزيمتهم مما يعدَهم (إعدادا جيدا) للعودة إلى موطنهم عند انقضاء النزاع. وحين زرت الأردن في وقت مبكر هذا العام أكد كل سوري تحدثت إليه أنهم ليست لديهم رغبة في البقاء في الأردن لفترة طويلة. إن تمكين وتشغيل وتعليم السوريين في هذه الأثناء سيجعل من غير الضروري استمرار الدعم الأردني إلى ما لا نهاية. وبالطبع فإن أزمة اللاجئين ليست مسؤولية الأردن لوحده. فلبنان وتركيا والعراق هم أيضا جزء من المعادلة. وتظل جهودهم حيوية في تقديم الطعام المأوى والخدمات الاجتماعي للملايين من اللاجئين السوريين. وبالمثل يجب أن يتصاعد الدعم الدولي للملايين من النازحين داخل سوريا بما في ذلك مضاعفة الجهود لتأسيس مناطق عازلة محمية وتخصيص عون إنساني للقاطنين في مخيمات لاجئين فعلية بالقرب من الحدود. وأيضا من المهم توسيع خيارات السوريين لإعادة التوطين خارج الشرق الأوسط. يجب على الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين قبول اللاجئين السوريين بأعداد أكبر. لقد رحبت كل من ألمانيا والسويد بحوالي 18000 و14000 سوري على التوالي. وبدأت الأمم المتحدة بالدفع نحو قبول إعادة توطين 30 ألف لاجئ سوري إضافي من الفئات الضعيفة (نساء وأطفال) في أمريكا وغرب أوروبا. وفي الشهر الماضي أجرت إدارة أوباما تعديلا في قواعد الهجرة التي حالت دون إعادة توطين اللاجئين السوريين من قبل في الولايات المتحدة مما سيعني احتمال فتح الباب لحوالي 1300 طالب لاجئ سوري. إن هذه الخطوات تستحق التقريظ ولكنها ليست كافية. على الولايات المتحدة فتح أبوابها واسعة ودفع كندا وبريطانيا وبلدان أخرى إلى أن تحذو حذوها. إن اللاجئين السوريين في الأردن رمز مفحم للآثار الموهنة للنزاع السوري في كل المنطقة. وفي آخر الأمر فإن الحل في الأجل الطويل سيتطلب تسوية متفاوض حولها تمهد السبيل لعودة الملايين من السوريين النازحين إلى موطنهم وإعادة بناء بلدهم. وفي الأثناء يجب على الأردن والولايات المتحدة والبلدان الشريكة الرئيسة الأخرى أن تتصرف بطريقة سليمة تجاه اللاجئين. وإذا لم تفعل ذلك فسيكون من المستحيل الحيلولة دون تمدد الحرب السورية وتقويضها لاستقرار الشرق الأوسط بأجمعه.
• الكاتبة مستشارة سياسات سابقة في وزارتي الدفاع والخزانة بالولايات المتحدة وباحثة في مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية بمدرسة هارفارد كينيدي


