الرؤية - محمد قنات -
ما بين التطوُّع والهواية تتوزَّع اهتمامات الشباب العُماني الذي تجذبه المجموعات التي تهتم بالهوايات وتنمية المواهب والميول أكثر من الفرق التطوعية صاحبة الأعمال الخيرية.. فهل يُمكن بناء جسر بين الهواية والتطوع لخدمة المجتمع؟
الأمر بحسب الشباب الذين تحدثوا لـ"الرؤية" ليس صعبًا، بل إن جماعات الهوايات يمكن أن تخدم المجتمع بطريقة سلسلة وغير مباشرة، وتساهم بشكل كبير في تنمية الوعي المجتمعي.
وتقول د.عهود بنت سعيد بن راشد البلوشية (رئيسة قسم الدراسات والبحوث بمركز الدراسات العُمانية بجامعة السلطان قابوس): إن العمل التطوعي حق اجتماعي وإنساني وهو واجب على الجميع كل حسب قدراته وامكانياته، ويمثل ركيزة أساسية في بناء المجتمعات الصالحة؛ حيث إن التكافل جزء لا يتجزأ من البنية الأساسية للمجتمعات المتماسكة. كما أن الإحساس الذي يتأتى من عمل الخير لا يُمكن أن يوصف والأجر الذي نتمنى أن يحصل عليه المتطوع كبير جداً بفضل الله.
وأشارت إلى أن الأعمال التطوعية تحتاج إلى زرع بذرة التطوع خلال مرحلة الطفولة المبكرة للإنسان، وخلال سنين عمره المتعاقبة ومن جهات مختلفة. وتابعت: فكما يقولون من شبَّ على شيء شاب عليه. لذلك من الواجب علينا أن نزرع في أبنائنا بذرة التطوع وتحمل مسؤولية المجتمع؛ وذلك من خلال ما يرونه منا من جهود تطوعية ولو كانت على مستوى بسيط. كما أن للمدرسة دورًا كبيرًا في تنمية حس المسؤولية المجتمعية والتكافل الاجتماعي من خلال إعطاء الطلاب الفرص للمشاركة في جهود تطوعية مختلفة كجزء لا يتجزأ من رسالة المدرسة.
وأبانت البلوشية بأن الشباب يفضلون جماعات الهوايات على الجماعات التطوعية نسبة إلى أنهم بهذه الهوايات يحصلون على المتعة من ممارسة الهوايات التي يحبونها؛ وبالتالي الأنشطة المرتبطة بهذه الهوايات تعمل على شد انتباههم وجهدهم ودعمهم. وأن كل نشاط يقوم به الإنسان يمكن أن يخدم به العمل التطوعي خاصة إن تم وضعه كجزء أساسي منه؛ فمثلا هواة السيارات قد يضمِّنون في أنشطتهم هدفا رئيسيا لتوعية المجتمع حول أمور مهمة في هذا المجال أو توعية الشباب بأخطار السرعة وغيرها. فجميعنا قادرون على العمل التطوعي ولكن الذي نحتاجه هو أن نضع العمل التطوعي كهدف رئيس في حياتنا اليومية، وعندها سيكون سلوكاً وطريقة حياة.
ومن جهتها، قالت إيمان سالم عبدالله العمرية (المنسقة الأولى للجنة الفعاليات والبرامج بالشبكة العمانية للمتطوعين): إن كلَّ فرد يبحث عن متنفس له من زحمة الحياه، وهنالك من يتجه للمؤسسات التطوعية، والبعض الآخر يتجه للجانب الرياضي وآخرون يتجهون لجماعات الهوايات، وبعضهم يُفضل العطاء كفرد بعيدًا عن أي جماعات ينتمي إليها، وكل هذه الأشياء خير. وأضافت: فى أحيان كثيرة تتفوق جماعات الهوايات عن المؤسسات التطوعية كمصدر جذب للشباب؛ لأنها ببساطه لا تملي عليهم أي فرض أو قوانين، ولا تتعرض لعقبات المؤسسات التطوعيه، والبعض يفضلها ويُحببها إلى نفسه؛ لأنها الأسهل والأقرب للروح، وتعتبر متنفسا لها وليست مُحاطة بالتزامات المؤسسات التطوعية، ولا تطالب الفرد بمردود للمجتمع نظير انضمامه إليها. وتابعت: موقنة تمامًا بأنه لو أخذت المؤسسات التطوعية جانب الترويح النفسي بطريقة ما مثل جماعات الهوايات، لتزاحمت الأرواح إليها قبل الأجساد.
وأشارت إلى أن العمل التطوعي فى منظورها هو ترجمة لمعنى الإحسان على أرض الواقع، وأنها قبل فترة وجيزة كانت في حوار مع أحد الشباب المنضمين إلى جماعات الهوايات، وأخبرها بأنه يرى أن لا وجود لمسمى العمل التطوعي.. وقالت إن عمل الخير هو واجب على كل فرد ولا يجب أن يكون تطوعا، وأنه واجب على الوطن ومن سكن فيه أن نكون بخدمتهم وليس أن نعمل ذلك عندما يطيب لنا.. وتابعت العمرية بأن الحوار استوقفها وأصبحت تتفق معه في وجوب دفع ديون الوطن وضرورة المساهمة بالوقت والمال والجهد والإبداع لرفع مستوى معيشة وفكر جميع من حولنا.. وترى أن العمل التطوعي يحتاج لإخلاص وتقبل.. وتابعت: بالأولى ضمانًا للعطاء، ثم يستمر الخير والنماء الجاذب الذى يحتاج لجهد المؤسسة التطوعية في تنويع عملها وكسر روتين تماثل المؤسسات في الطرح، إلى جانب الاهتمام بروح البشرية التي أنفقت من وقتها قبل مالها لتعطي لغيرها وهؤلاء يحتاجون لتحفيز وتدريب وتأهيل. وأشادت في الوقت ذاته بالشبكة العمانية المتطوعين "تعاون". وقالت إنها استطاعت بث نوع مختلف من العطاء وهو تدريب وتأهيل المتطوع في شتى المجالات الحياتية المختلفة. واسترسلت: إن جماعات الهوايات لها رونقها الخاص، وإن قامت بما تقوم به المؤسسات التطوعية فسوف تكتمل منظومة النماء، خاصة وأن لكل منهم رؤيته وهدفه وبهم يكتمل الخير. وقالت: إن العمل التطوعي هو شغفها وتعتبره بابًا من أبواب الجنان وصفحات حياتها لا تكتمل بدونه.
ومن جانبه، قال محمد المحرزي: إن جماعات الهواية دائما ما تستهوى الشباب ويفضلونها دون الجماعات التطوعية التي تخدم المجتمع؛ لأنها تكون متخصصة بصورة أكبر ولا يدخلها إلا من كان له إلمام بالتخصص؛ مثل: جماعات التصوير والموسيقى.. واستدرك بأن جماعات العمل التطوعي فى غالبية المجتمعات تبتعد عن التخصص، فتبدو شاملة للثقافة والاجتماع وغيرها من المجالات.. وأبان بأن العمل التطوعي هو حاجة مهمة ويستثمر فيه الشباب طاقاتهم بشيء يفيد المجتمع وسيكون قريبا القطاع الثالث في التنمية.
ورأى أن العمل التطوعي حتى يصبح جاذبا يحتاج لمركز يناط به العمل على التنظيم والتأهيل، وأن هذه الاشياء تنقص العمل التطوعي بالسلطنة بما يخدم المجتمع بشكل صحيح فى كافة المجالات دون عشوائي التى تؤدى الى تشتيت الجهود.. وتابع بأن جماعات الهوايات يمكن أن تقوم بالدور الذى تقوم به جماعات العمل التطوعى، لكن فقط في تخصص تلك الجماعة؛ مثلا: المصورون؛ تراهم في جماعة الهواية أفضل، ومحترفين أكثر عن تواجدهم بجماعة تطوعية اخرى.
وقال مروان الحجري: العمل التطوعى هو زكاة للنفس واستثمار لأوقات فراغ الشباب وصقل مواهبهم وعقلياتهم وتفكيرهم، والتطوعي هو فى الأساس عمل جماعي، وهذا ما نادى به الاسلام؛ حيث حث على ضرورة التوحد والعمل الجماعي مما ينتج عنه نماء المجتمع.. وتابع بأن الحضارة الاسلامية تألقت منذ بزوغ نجم إنجازاتها، وتفرد أبنائها.. وقال إن لديه فكرة في إنشاء مجموعة شبابية كمبادرة للعمل التطوعي، وتعمل علي تفعيل وتنمية والحفاظ علي جهود وزارة التراث التى يعمل بها موظفاً، وأن المجموعة الشبابية تهدف إلى القيام بالأدوار التي لا يمكن للوزارة أن تقوم بها لأنها لا تقع فى إطار اختصاصاتها الوظيفية للتكامل والتفاعل مع جهود وزارة التراث والثقافة.. وتابع: الآن هناك مبادرات أخرى متنوعة كثيرة نحترمها حققت الكثير من الإنجازات؛ منها: مبادرة "نظف عمان" المميزة، ولكن الدور الذي يجب أن تلعبه باقي الوزارات أقل ممَّا يجب أن يكون عليه حتي يقف العمل التطوعي العماني علي قدميه فكثير من الجمعيات أو أغلبها لم تدعم ولم تلقَ الاعتراف الرسمي بها، وهذا يجب ألا يستمر وأن يتوقف على الفور.


