د. ناصر الندابي -
إن المبادئ الصادقة، والقيم النبيلة، تظل كلها مثلا عليا، حبيسة الأذهان، حتى تنزل إلى أرض الواقع، متحملا حاملها كل ما يجد من صعوبات مستعدا للتضحية من أجلها، لأنه لا استمرار لهذه المبادئ إن لم يصحبها ثبات كثبات الجبال الرواسي، والحكمة مطية ذلك، وعليها التعويل في الاستمرار والبقاء على هذه المبادئ.
ظهرت في تاريخنا العماني نماذج كثيرة لمثل هؤلاء، الرجالا لا تغريهم الدينا بزخرفها، فهم على مبادئهم ثابتون وعلى نهج ربهم سائرون ، لا يخافون في الله لومة لائم، ومن أولئك الأشاوس، الإمام العلامة محمد بن عبدالله الخليلي، فقد حدثت جريمة قتل في شيء من البلدان، فوصلت القضية إلى الإمام، بينما تدخل أحد الزعماء وطلب من أهل المقتول والقاتل بأن يكون مرد القضية إليه فذهبوا إلى الامام فأخبروه بأننا نريد إرجاع القضية إلى الزعيم ، فقال لهم الإمام : بما أن القضية وصلت إلي فإن الشرع هو الذي يملكها فصرخ أحد الحاضرين الذين جاءوا مرافقين ولكن يا إمام ما نصيب الزعيم؟ فغضب الإمام عليه وأحمر وجهه، وقال له «: «إيه ولد اسكت لا تتدخل فيما لا تفهم» وكان الإمام يقول مثل ذلك إذا غضب. وقد كان ذلك الزعيم يطمع في أخذ الدية، فيصلح بين الطرفين مقابل مبلغ بسيط يسلمه لأهل المقتول ويأخذ هو الباقي، ثم يهدأ الطرفين لفترة، ثم يثور دم المقتول في عروق أهله، فيحدث التقاتل والتناحر بينهم، وقد كان الإمام يعلم ذلك من الزعماء ويعرف أحوالهم، فلم يترك مجالا لمثل هذه الأمور كما هي عادته رضي الله عنه.
وفي المقابل نجد أشخاصا تتساقط مبادئهم عند أول ناعق، وعند أول إغراء، إذ تتلاشى عند أغلبية الناس الأفكار وتتساقط المبادئ والقيم وقد يتركون الفساد يعربد أحيان مقابل حفنة من المال ويزداد الأمر حسرة إذا كان هناك بعض المنتسبين للعلم تغلب عليهم الحضوض الدنيوية والطمع في حطام الدنيا الزائل .
ومما يذكر من أمثال أولئك ، أنه في أواخر زمن دولة الإمام محمد بن عبدالله الخليلي كان الإمام يعاني من أمراض الشيخوخة، وبدأ بعض الناس يستغل الفرصة لمآرب أخرى وفي ذات الوقت حدث تسلل من أولاد السعودي إلى عمان، وتم النزول إلى واحة البريمي وتم تجهيز حصن بيت سليط لنزول ابن عطيشان، فحدث اتفاق بين الإمام الخليلي والسلطان سعيد بن تيمور، لدحر هذا الاعتداء وكان أحد الزعماء القريبين من واحة البريمي أخفى تعاونه وحاول التنصل ، فذهب إليه بعض المقربين من الإمام والسلطان سعيد فقالوا له: مع من أنت ؟ فقال : مع المال من يعطيني أكثر فأنا معه أكثر، إذا أعطاني الإمام فأنا معه، وإذا أعطاني السلطان فأنا معه ، وإذا أعطاني السعودي أكثر فسأكون معه.


