فوزي بن يونس بن حديد -
abuadam-ajim4135@hotmail.com -
هي من أعظم ليالي رمضان، فيها نزل القرآن، وفيها تنزل ملائكة الرحمن، وهي خيرمن ألف شهر، وهي إن صادفها مؤمن بالله عز وجل إلا استجيب له الدعاء، كلّها مزايا ليلةٍ واحدة من شهر رمضان المبارك تستمر حتى مطلع الفجر، ليست محدّدة في يوم محدّد، ولكنها في العشر الأواخر من هذا الشهر العظيم، تركت للبحث عنها، وحتى يصير العبد قريبا من الله أكثر، فهي تحمل الخير كلّه، يكفيها أن أجرمن قامها يساوي أجرعبادة أكثر من ثمانين سنة، ومن لا يبتغي هذا الأجر كلّه في ليلة واحدة؟
الاحتفال بليلة القدرليس يسيرا يتطلب جهدا كبيرا وعزيمة قوية، فليس كل إنسان قادرا على إحيائها إلا بإخلاص، وليس كل مسلم يصادفها إلا من أراد الله له الخير، وليس كل مؤمن يستجاب له الدعاء إلا بعد أن ينقّي قلبه ولسانه من جميع الأمراض والآفات والعاهات، فهي تريد منك أيها المسلم أن تستقبلها بصدر رحب ونفس مطمئنّة لا يشغلها شيء من الدنيا، وعقلٍ مركّز لا يفكر إلا في مرضاة الله تبارك وتعالى، وقلبٍ خاشع بتول، يبتهل إلى الله بخشوع، وعينٍ دامعة خوفا من الله ووجلا، هي تطلب منك أن تعطيَها نفسَك كلَّها دون تقسيم لتعطيك شيئا من فضائلها، لأنها ليلة استثنائية في شهر استثنائي، قلّ من يحييها لأنها عصية على القلوب المريضة، وكبيرة على النفوس المتكاسلة، تحتاج إلى نشاط دائم وانقطاع تام عن الدنيا بكل تفاصيلها.
لكن الأمرقد تغيّراليوم في بلاد المسلمين، صار الاحتفال بها عادة في المدن والعواصم، احتفالات بتنويع الطعام على الموائد في بعض البلدان، وقصائد وأناشيد ومحاضرات ودروس في بلدان أخرى والكل يغني على ليلاه، يظن أنه أحيا ليلة القدر ولكنه في الحقيقة لم يلامس حقيقتها، ولم يدرك كنهها، ولم يذق طعمها، لأن الدروس والمحاضرات التي يسمعها ما هي إلا تذكير بما يجب أن يكون عليه، وإن كان قد حصل على أجر من حضوره تلك المواعظ غير أنه لم يباشر بنفسه الاحتفال والإحياء، لأن ليلة القدر تريد منك الخلوة مع ربّ العالمين في العشر الأواخر من الشهر الكريم، تبذل فيها الغالي والنفيس، تتقرب إلى الله بشتى أنواع النوافل من صلاة وتسبيح واستغفار وترتيل للقرآن، ومن خشوع وخنوع لله رب العالمين، تفدي نفسك وتشريها ابتغاء مرضاة الله بعيدا عن أعين الناس وكبرياء النفس، تعتكف في ركن من الأركان، تحرم نفسك من الملذات والشهوات، تنتظر من ربك الرحمات والنفحات، ترجو منه رائحة تلك الليلة في انكسار وخشوع تام، تبكي، تصرخ، تدعو، تناجي، تستغفر، تسبّح إلى مطلع الفجر، ربما تدركها وربما لا، ولكنك قمت بما يجب عليك، وقبل ذلك كله عليك أن تغسل نفسك من الذنوب والخطايا والسيئات، وتمحو كل ذنب وكل مرض يمكن أن ينغص عليك ليلتك أو يفسد عليك مناجاتك.
من يحيي ليلة القدر في هذا الزمان كما أراد الله سبحانه وتعالى؟ من يقدرعلى إلزام نفسه ليالي العشر الأواخر من رمضان؟ من منّا قادرعلى أن يعتكف لقراءة القرآن والتسبيح والتهليل والتكبيرمن غيرملل ولا كدرولا متعة دنيوية،هي عشرليال فقط من سنة تمتد إلى ثلاثمائة وستين يوما أوتزيد؟ لا أدري ماذا أقول، سوى أنه تغيّرت أحوالنا ولم تعد كما كانت من قبل، أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، أيام العهد النبوي والمنبع الصافي، فليلة القدر كما قال ربنا هي ليلة عظيمة فهي خيرمن ألف شهر، تنزل فيها الملائكة والروح بإذن ربهم، من كل أمر، سلام هي حتى مطلع الفجر، سلام على كل من أحياها ابتغاء مرضاة الله راجيا ثوابه خائفا من عقابه.


