لم يتأخر الوقت لإعادة الارتباط بالعراق

رايان كروكر – ترجمة قاسم مكي -

واشنطن بوست -

الأخبار التي تأتي من العراق، وبصراحة تامة، مرعبة. وهي متوقعة تماما. لقد ظللت أردد القول على مدى شهور أننا يجب علينا أن نفعل أي شىء يمكننا فعله لمساندة جيران سوريا (الأردن ولبنان وخصوصا العراق) من أجل ضمان عدم انتشار عدوى القاعدة. ولكنها انتشرت. فالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) تحتل الآن معظم المنطقة الواقعة بين كردستان وبغداد. وعلى الرغم من استبعاد سقوط العاصمة في يد داعش إلا أن هذه الجماعة أسست فعليا دولة إسلامية أصولية. وسنكون بلهاء إذا ظننا أن داعش سوف لن تخطط لهجمات ضد الغرب بعد أن حصلت على المكان والأمان اللازمين لها كي تفعل ذلك. إن داعش قوة أعتى من جماعة أسامة بن لادن التي جاءتنا بأحداث الحادي عشر من سبتمبر. فمقاتلوها يملكون الخبرة وملتزمون كليا بقضيتهم وجيدوا التسليح والتمويل. ويحمل ألفان منهم جوازات سفر غربية بما في ذلك الجواز الأمريكي. لذلك فهم لايحتاجون إلى تأشيرات. إن (مانراه) هو جهاد دولي. وسيصل إلينا. كما أننا سنكون بلهاء بنفس القدر إذا أنكرنا الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في تفكيك العراق. ونحن، سواء أحببنا ذلك أم لا، مرتبطين ارتباطا خَلْقيا وتلقائيا بالنظام السياسي العراقي. لقد نجحت سياسة زيادة أعداد القوات الأمريكية عام 2007 في بسط الإستقرار. ويعود السبب في جزء كبير منه إلى أن تلك الزيادة رافقها نشاط دبلوماسي مكثف بقيادة الولايات المتحدة أثمر تسوياتٍ ضروريةً وسط المجتمعات الشيعية والسنية والكردية العراقية. ولكن مع فك ارتباطنا (بالعراق) اتسعت الانقسامات التي كنا قد قمنا بتجسيرها. ومنحت تلك الانقسامات المسلحين المجال الذي يحتاجونه للمناورة. إن تطوير ديموقراطية قوية ومبنية على المؤسسات عملية بطيئة ومؤلمة، كما أثبت تاريخنا ذلك بوضوح. فعجز آباؤنا المؤسسون عن التصالح مع القضايا الأساسية مثل الرق وحقوق الولايات كان قد قادنا إلى حرب أهلية دموية كادت تدمر بلدنا. لقد خرج العراقيون من ماض أشد إعتاما من ذلك بكثير. فعقود من قهر حزب البعث بقيادة صدام حسين طَبَعَت (في الذهن العراقي) فكرة أن التسوية تعني التنازل والتنازل يعني الهزيمة التي من الممكن جدا أن تعني الموت. لذلك يجب ألا يدهش أحد لعدم تمكن القادة العراقيين، في غياب إرتباط أمريكي مستدام، من حل المشاكل السياسية الجوهرية في العراق. ودون شك فإن الممارسات الطائفية لحكومة المالكي كانت بالغة الضرر. فهي قد خلَّفَت لدى السنيين العراقيين إحساسا بتجريدهم من حقوقهم. والحاجة ماسَّة إلى بعض التصحيحات في المسار. ولكن هذه التصحيحات لن تتحقق ببساطة لأننا نقول لرئيس الوزراء أنه يلزمه إصلاح شأنه وتشكيل حكومة وحدة وطنية لمعالجة تهديد المسلحين. نعم لقد ظهر نوري المالكي بجانب منتقديه السنيين على شاشة التلفزيون الثلاثاء (17 يونيو) وهم يدعون إلى الوحدة الوطنية. ولكن قبل ساعات فقط من ذلك، كان زعماء الشيعة قد أعلنوا مقاطعتهم للساسة السنيين واتهموا بعض السنيين خارج العراق بالترويج « لإبادة جماعية.» وإذا صار ممكنا تحقيق قدرٍ قليل من قِسمة السلطة فسيلزم حينها بذل ذلك النوع من الجهد الذي بذلناه حين كنت (سفيرا) في بغداد في الفترة من 2007 وحتى 2009. وهو جهدٌ لم نشهده منذ فترة طويلة جدا. لقد تعلَّمنا حينها أن الذي لايعطيه ويأخذه العراقيون فيما بينهم يكونون أحيانا على استعداد ليعطوه لنا طالما أمكنهم أن يثقوا بأننا سنحترم الاتفاقيات وعلى أعلى مستوى في حكومتنا. ومن المؤكد أنني كان لدي دوري الذي ألعبه كسفير. ولكن الإرتباط المستدام لوزيري خارجيتنا ودفاعنا ورئيسنا كان ضروريا لاتفاقنا الإطاري الإستراتيجي الثنائي واتفاقنا الأمني لعام 2008. كما كان ضروريا أيضا للتسويات المهمة حول الموازنة الوطنية واجتثاث البعث والقوانين الإنتخابية. وبوضعنا ذلك في البال وكخطوة أولى، ينبغي على وزير الخارجية جون كيري الذي بُعِثَ للشرق الأوسط أن يتوجه فورا إلى العراق ويشرع في مشاورات مكثفة مع قادة كل المجتمعات هناك. فقد يجبر هؤلاء القادة احتمالُ التقسيمِ الدائم للعراق (إلى جيوب شيعية وكردية وسنية منفصلة) على إجراء تسوية ذات معنى. ولكننا سنكون المحفِّز أو الوسيط الذي لاغنى عنه (لبلوغ مثل هذه التسوية.) لم يفت بعد أوان الدبلوماسية. فالدبلوماسية نجحت في ذروة الحرب الأهلية العراقية. وهي يمكنها أن تنجح الآن.

ويمكنها أن تنجح دون الحاجة إلى إرسال أحذية ثقيلة (جنود) إلى هناك. (على الرغم من أن مساندة ناقلة الطائرات جورج إتش دبليو بوش في شمالي الخليج العربي ليست مؤذية.) وهناك خطوات أخرى يجب علينا القيام بها مثل توسيع قدراتنا الاستخبارية ونشر مستشاري العمليات الخاصة على النحو الذي إبتدره الرئيس أوباما مؤخرا إلى جانب تحديد مجموعات أهداف يمكن ضربها بواسطة القوة الجوية العراقية او الأمريكية. إن كل هذه الأشياء مهمة. ولكنها لن تكون كافية لطرد داعش من الميدان. فالقوة الرئيسية يجب أن تكون سياسية ويجب أن تقودها الولايات المتحدة على أعلى المستويات. لقد تعلَّمتُ من قضاء عدة أعوام في الشرق الأوسط أن على المرء توخي الحذر حين يتدخل. فالتدخلات العسكرية يمكن أن تكون لها نتائج بعيد المدى ولايمكن التنبوء بها. بل يلزمك أن تكون أكثر حذرا حين تنوى الخروج (مما تدخلت فيه). ففك الارتباط يمكن أن تكون له نتائج أسوأ من نتائج التدخل. لقد فشلنا في استيعاب هذين الدرسين في العراق. يجب أن يتواصل الجدل دون نهاية حول الحكمة من غزو 2003. وأنا لدي بالتأكيد شكوك حول هذه الحكمة. ولكن النقطة التي أكدت عليها خلال فترة عملي هناك هي أنه بمجرد أن تتدخل فأنت تكون قد تدخلت. ولايمكنك أن تجعل الغزو كأنه لم يكن. ويمكنك، بالمقارنة أن تصحح فك إرتباطك غير السديد بإعادة إرتباطك بقوة قبل أن يفوت الأوان. إن التاريخ لن يغفر لنا إذا سمحنا لهذا الظهور الخبيث للقاعدة (داعش) بالتجذر في أرجاء العراق والبدء بالتخطيط للمرحلة التالية من عملياته. إنها عدو ذو عزم ومضاء ولن تقف عند الحد الذي بلغته الآن.

* كروكر السفير الأمريكي بالعراق في 2007- 2009. عمل تحت إدارة الرئيسين جورج دبليو بوش وأوباما. وهو حاليا رئيس مدرسة بوش للحكم والخدمة العامة بجامعة تكساس أيه آند إم.