راشد بن ناصر المشيفري -
يتضح من قول الله سبحانه وتعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) سورة البقرة، رقم الآية 178.عدة أمور فمنها: العدالة بأن يؤخذ بمثل ما فعل بالجاني، ويشفي غيظ المجني عليه فلا يشفيه سجن مهما يكن مقداره، والقصاص فيه حياة المجتمع حياة سامية هادئة. لذا قال الله سبحانه وتعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) سورة البقرة، الآية 179.
ووضح الإمام الشافعي في «أحكام القرآن» معنى كيف يكون في القصاص حياة فقال: «حياة ينتهي بها بعضكم عن بعض أن يصيب مخافة آن يقتل، وبين الكلامين أي «في القصاص حياة» وبين – القتل أنفى للقتل – في الفصاحة والجزل بون عظيم. فالقصاص حياة: قد جعل الشيء وهو القصاص محلا لضده وهو الحياة، ونكر الحياة ليدل على أن في هذا الجنس من الحكم نوعاً من الحياة عظيما لا يبلغه الوصف وذلك أنهم كانوا يقتلون بالواحد الجماعة. وهذا المعنى قد أشار إليه العلماء والمهتمون بالتفسير كالقرطبي في تفسيره، والشيخ أحمد الخليلي في «جوهر التفسير» وأبو السعود في تفسيره والفضل بن الحسن الطبرسي، في «جوامع الجامع في تفسير القرآن»، وأيضا أبو زهرة في كتابه «الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي – العقوبة» يقول : «إحياء النفس المقتولة بالقصاص لها إحياء للجماعة «وهذا أمر لا شك فيه فالقصاص يؤدي إلى العدل بين الناس فلا فرق بين غني وفقير، أو أبيض وأسود، أو جنس وجنس، أو بلد وبلد كلهم عند الله سواء، وفيه أيضا زجر ومنع للناس عن ارتكاب جريمة القتل وزهق الأرواح.
هناك من الناس من ينادي اليوم بعدم الحكم بالقصاص، وبأن القصاص فيه تعدٍ على النفس البشرية، وهؤلاء لا يعلمون بأن القصاص من المعتدي هو عين العدل والحق والإنصاف، فالحكم على القاتل الفرد فيه مغزى وهدف أكبر ألا وهو حياة أنفس أخرى، فتشعر بالأمن والاستقرار، والهدوء والسكينة والطمأنينة في بلدهم ومساكنهم وحياتهم، إذن صدق الله: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) سورة البقرة، رقم الآية 178. وهذا المعنى الرائع لا يختص به الكبار من البشر، وليست استمرارية الحياة الهانئة محصورة للرجال الكبار أو النساء، وإنما المجتمع بأسره حتى الصغار (الأحداث) فلهم الحق في الراحة والسعادة والسكينة، وبما أن لهم الحق في الحياة الساكنة، يجب عليهم إذن التنبيه بعدم الجرأة والتعدي على غيرهم بأي نوع من أنواع الإجرام، وسواء كان التعدي على الكبار أو على الصغار، فليس عدم بلوغهم سن الرشد أن تكون التصرفات منهم بلا رقيب ولا حسيب، فيستغلهم الكبار في التعدي على الغير، لذا وجب التنبيه بأن الجناية والجريمة مهما كان مصدرها فلا بد من الحساب والعقاب، لكي يرتدع الجميع، ويعيش الناس بلا رعب ولا خوف، فالأمان مطلوب لجميع الأفراد في المجتمع.


