قضايا المتقاعدين والاستفادة من خبراتهم

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

لا يختلف اثنان على أن المتقاعدين سواء من المؤسسات الحكومية أو الشركات التابعة للقطاع الخاص يمثلون ثروة بشرية كبيرة ومهمة، ويمكن الاستفادة منهم في كثير من مناحي الحياة. وأرقام هؤلاء المتقاعدين تزداد عاما بعد عام نتيجة لوصولهم السن القانوني للتقاعد، فيما يترك البعض أعمالهم نتيجة للاصابات التي تلحق بهم أثناء العمل. وكلما كان عدد المتقاعدين كبيرا فإن فرص العمل تزداد في المجتمع، في الوقت الذي يمكن لبعض المتقاعدين الراغبين في السلطنة ودول المنطقة أن يستغلوا فرص العمل المناطة للعاملين من الوافدين الذين يتزايد اعدادهم سنويا، خصوصا في الوظائف العليا التي تتطلب تعمينها وفق القرارات المحلية. أما الأمر الآخر الذي نريد طرحه هنا فهو ضرورة النظر في رواتب المتقاعدين وعلاواتهم السنوية من الحكومة والقطاع والخاص، خاصة اولئك الذين خدموا السلطنة منذ بداية السبعينيات عند بزوغ فجر النهضة المباركة عام 1970 وحتى موعد تقاعدهم سواء من المدنيين أو العسكريين. وهؤلاء الاشخاص يتطلب بحث موضوعهم بين فترة وأخرى بحيث تتناسب ومخصصاتهم الشهرية التقاعدية الأوضاع الاقتصادية والمعيشية السائدة في البلاد والعالم.

فالمتقاعدون المتميزون في أي مجتمع يشكلون نسبة جيدة، ويمثلون في الوقت نفسه ثروة فكرية وعلمية وعملية وكفاءة ناضجة وعالية وهامة، الأمر الذي يتطلب الاستفادة من خبراتهم خاصة من الراغبين للعمل في المؤسسات الخاصة لاحلال العنصر العماني بدلا من الاجنبي ومقابل مبدأ العمل بعد المعاش، بحيث لا يصابون بفراغ قاتل أحيانا. كما يتطلب من هؤلاء المتقاعدين أيضا التفكير في تأسيس مشروعاتهم الخاصة في إطار الدعم الذي تقدمه الحكومة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والاستعانة بأبنائهم في إدارة تلك المؤسسات، وكذلك التطوع للمساعدة في تنظيم أمور المجتمع المدني من الجمعيات المهنية والعلمية والذي تشهد توسعا في عددها كل عام في مختلف المخصصات. ولا يمنع أيضا بأن يبادر البعض منهم إلى إنشاء جمعية المتقاعدين في السلطنة لتكون مقرا لهؤلاء الأشخاص الذين يستطيعون تقديم المزيد من الخدمات للمجتمع، والاستفادة من خبرات الدول الغنية أو النامية والمؤسسات الدولية في تصحيح الكثير من المفاهيم.

ووفقا لإحصائيات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات لعدد المتقاعدين المسجلين في صناديق وأنظمة التقاعد والمعاشات في السلطنة حتى نهاية شهر ديسمبر من عام 2012، فقد بلغ عددهم 66217 متقاعدا، مقارنة بعدد 62616 متقاعدا عام 2011 بزيادة قدرها 5.8%، شاملا صندوق تقاعد الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية. وقد تقاضوا حوالي 272 مليون ريال عماني في عام 2012 مقابل 247 مليون ريال عام 2011 بنسبة زيادة قدرها 10.3%. أما من حيث الجنس فإن عدد الذكور منهم بلغ 59478 متقاعدا، مقابل 6739 متقاعدا من النساء، لأسباب مختلفة منهم من بلغ سن التقاعد وآخرين نتيجة للوفاة، وفئة أخرى بسبب عدم اللياقة الصحية أو إلغاء الوظيفة، أو التقاعد المبكر الاختياري او التقاعد المبكر الاجباري أو لعوامل أخرى.

ونلاحط هنا أنه وفق إحصاءات عام 2012 فإن 6701 متقاعدا ومتقاعدة استلموا أقل من 200 ريال كمستحقات تقاعدية، أما أولئك الذين استلموا ما بين 200 ريال وأقل من400 ريال فقد بلغ عددهم 37644 متقاعدا ومتقاعدة، فيما بلغ عدد المتقاعدين ممن استلموا ما بين 400 ريال إلى أقل من 600 ريال 12271 متقاعدا ومتقاعدة. اما عدد الذين استلموا ما بين 600 ريال إلى أقل من 800 ريال فبلغ عددهم 3425 متقاعدا ومتقاعدة، فيما بلغ عدد الذين استلموا مستحقات تقاعدية من 800 إلى أقل من 1000 ريال 1036 متقاعدا ومتقاعدة، بالاضافة إلى 1748 شخصا من المتقاعدين استلموا أكثر من 1000 ريال عماني، الأمر الذي يؤكد بأن الغالبية العظمى من المتقاعدين العمانيين من الحكومة تترواح رواتبهم التقاعدية في حدود 400 إلى 600 ريال. وهؤلاء المتقاعدون خاضعون لصناديق تقاعدهم التي تشمل كلا من صندوق تقاعد موظفي الخدمة المدنية وصندوق تقاعد موظفي ديوان البلاط السلطاني، وصندوق تقاعد الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية حيث بلغ عدد المتقاعدين في القطاع الخاص مع نهاية عام 2012 نحو 8968 متقاعدا ومتقاعدة مقابل 8058 متقاعدا ومتقاعدة عام 2011 بزيادة بلغت 11.3%، حيث تقاضوا أكثر من 23 مليون ريال عماني عام 2012 مقابل 21 مليون ريال عام 2011.

كما ينتمي المتقاعدون أيضا لصناديق تقاعد موظفي شرطة عمان السلطانية وصندوق تقاعد موظفي شركة تنمية نفط عمان وصندوق تقاعد موظفي الحرس السلطاني العماني وصندوق موظفي البنك المركزي العماني، وصندوق موظفي شركة النفط العمانية والمصافي والصناعات البترولية وصناديق أخرى. وهناك توجيهات سامية للجهات المعنية وغيرها من الجهات ذات العلاقة بضرورة اجراء دراسة عاجلة اكتوارية (اقتصادية) لأوضاع صناديق التقاعد في السلطنة، حيث يتنظر الكثير من المتقاعدين بأن ترتفع مخصصاتهم الشهرية، خاصة من المتقاعدين القدامى.

وعموما نقول إن الكثير من الدول في العالم، وخاصة المتقدمة منها تعطي قدرا كبيرا من الاهتمام لخبرات الأشخاص المتقاعدين وتستغلهم في الاعمال اليومية، وتسفيد منهم لقناعتها بأن هذه الفئة تختزن الكثير من الخبرات والطاقات والنضج النفسي والعملي. وتأتي اليابان في مقدمة تلك الدول حيث تعطي اهتماما كبيرا للمتقاعدين باعتبارهم الثروة القومية، وان هذه الشريحة تتميز بعقلية كبيرة وبالكفاءة لإدراتها في تنمية المؤسسات اليابانية التي تتميز بالكثير من المعجزات الاقتصادية والصناعية والتكنولوجية. وفي أمريكا لم يقتصر الدور فقط في الاستفادة التقليدية من المتقاعدين، وذلك بتشغيل بعضهم فحسب، بل ابتكرت الشركات العملاقة التكنولوجية مثل شركة (مايكروسوفت) للمتقاعدين وكبار السن عدة برامج مجانية لمساعدتهم لأجل الاستمرارية في العطاء من داخل منازلهم عبر الحاسوب والإنترنت، وذلك لتمكين شريحة أكبر من قطاع الأعمال بأمريكا من الاستفادة من خبراتهم خاصة وأن عدد من يرغب في العمل من المتقاعدين في أمريكا يزداد يوماً بعد يوم من واقع الدراسات التي تمت في هذا الشأن، حيث أوضح استبيان أمريكي بأن 70% من المتقاعدين بأمريكا يرغبون في العمل بعد سن الخامسة والستين، وهنا في السلطنة والمنطقة ربما ستكون النتائج مماثلة لو تمت في هذا الاطار، باعتبار أن هناك وقتا كبيرا لدى المتقاعدين لاستغلاله في أمور تعود بالنفع على افراد المجتمع وعلى أنفسهم، كما أن المستحقات المالية التقاعدية لا تكفي أحيانا لمواجهة التضخم في اسعار السلع والمنتجات والخدمات السائدة في المجتمع، خاصة الصحية منها في غياب التأمين الصحي للمواطنيين، حيث تكلف تلك الخدمات أحيانا مبالغ باهظة. وأخيرا نقول بأن الدراسات الخاصة بالتقاعد والمتقاعدين في الوطن العربي محدودة جداً، بعكس الدول المتقدمة، خاصة في مجال كيفية الاستفادة من المتقاعدين، خاصة وأن البعض منهم يحملون درجاتٍ علمية وأكاديمية عليا، فيما يمتاز البعض منهم بندرة التخصص، الأمر الذي يتطلب الاستفادة منهم ومن خبراتهم في شتى الأوجه للحاجة الاقتصادية الملحة في دولنا. فالخبرات التراكمية لدى المتقاعد المتميز لا تقدر بثمن، وعلى المجتمع أيضا التفكير في حياته وأسرته وإشباع رغباتهم بحيث يستطيعون مواجهة أعباء الحياة اليومية، ولا يحتاجوا إلى مد أيديهم للآخرين لسد احتياجاتهم اليومية، وكذلك الاستفادة منهم عملا بقول الامام علي – كرم الله وجهه- «قيمة كل أمرئ ما يُحسن» بمعنى أن صناعته هي قيمته، وهذا ما يجب التفكير فيه.