د. محمد رياض حمزة –
يعتبر مصطلح التنافسية ( Competitiveness ) حديثا في علم الاقتصاد ومشتقا من مفردة المنافسة (Competition )التي دخلت القواميس باللغة الإنجليزية وتم تداولها عام 1605 .
وأخذتها الإنجليزية عن اللغة اللاتينية ، أما مفردة (التنافسية) فهي صفة للاسم (منافسة) واستخدمت لأول مرة ودخلت قواميس الاقتصاد عام 1829 ، ولكن في غير مفهومها المستخدم حديثا. ووردت تعاريف عديدة للتنافسية ، ويمكن وضع تعريف شامل يجمع معظم ما انطوى عليه هذا المفهوم: كفاءة الأسواق على استيعاب أكبرعدد من المنتجات البديلة ،وإتاحة الفرصة من غير معوقات لدخول المنافسين الجدد للأسواق التي تتسع لأنشطة رأس المال ، بما يتيح للمشترين المساومة وللمنتجين ( المسوقين ) المساومة في إطار قوانين رحبة تضمن سريان قوانين السوق بحرية تامة.
وصدرمؤخرا «تقرير التنافسية 2014 ـــ 2015» عن المنتدى الاقتصادي العالمي ، وتصدراهتمام عدد غير قليل من المعنيين في السلطنة بتراجع ترتيب السلطنة إذ احتلت المرتبة الـ 46 من بين 144 اقتصادا عالميا وفقاً لتقريرالتنافسية للعام 2014-2015 الذي أصدره منتدى الاقتصاد العالمي لتتراجع بذلك 13 مركزاً في سلم الترتيب العام. الأمرالذي كان موضع اهتمام من مجلس الشورى الموقر ومن عدد من الكتاب العمانيين ، وبقدر ما لأهمية أن الحرص على أن تحتل السلطنة مواقع الصدارة في مثل تلك التقييمات التي تصدرها المؤسسات وبيوت الخبرة ذات الصفة العالمية ، فإن الأهم هو أن يصارإلى مراجعة معايير قياس التنافسية لنتبين مدى إمكانية تطويرالواقع لتحتل السلطنة مواقع متقدمة في مثل تلك التصنيفات .
تجدرالإشارة إلى أن السلطنة كانت قد احتلت المرتبة 15 على الصعيد العالمي في القدرة التنافسية لعام 2010، استنادا إلى تقريرأعده المعهد الدولي للتنمية الإدارية ومقره مدينة لوزان السويسرية . وجاء في تقرير ثان عن التنافسية لتلك السنة وضعت فيه السلطنة بالمرتبة 41 على المستوى الدولي ، وهو التقريرالذي أخرجه المنتدى الاقتصادي العالمي . وهنا نتبين الاختلاف وربما التناقض في معايير القياس والتقييم التي تعتمدها تلك المؤسسات .
معاييرالقياس كثيرة جدا وتتناول الوقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والتشريعي في الدولة وتتضمن:
تقييمات المؤسسات العالمية السابقة للدولة ، في مختلف القطاعات.
النظام المالي ومدى توفرالتشريعات لضمان حرية إنتقال رؤوس الأموال المستثمرة إلى البلد ومنه.
التشريعات الضامنة لتحريرالأسواق من أي نوع من الاحتكار.
حجم الاستثمارات الخارجية ومدى ربحيتها ويسرحركتها.
الاستقرارالسياسي ومدى استتباب الأمن الداخلي وعلاقات الدولة الخارجية. استراتيجية النمو الاقتصادي ومدى استدامة النموالقطاعي للأنشطة الإنتاجية والخدمية.
مقاييس الإنتاجية وكفاءة القوى العاملة .
فاعلية ومساهمة القطاع الخاص في تكوين الناتج المحلي الإجمالي للبلد. النظام السياسي وسلطاته التشريعية والتنفيذية واستقلال القضاء.
مستوى نظم التعليم وأهليتها في إعداد الموارد البشرية
مدى استخدام الوسائل التكنولوجية في الإنتاج والإدارة والخدمات العامة .
فاعلية نظم الضمان الاجتماعي في توفير مستوى معاشي إنساني للمتقاعدين وكبارالسن.
النظم الصحية وكفايتها وكفاءتها في رعاية المواطنين.
عدالة توزيع الدخل القومي بمعيار مستوى الأجور وتناسبها مع متوسط تكاليف المعيشة.
كما أضاف المنتدى الاقتصادي العالمي عددا كبيرا من معاييرالقياس في تصنيف الدول تنازليا من الأكثرقربا لنظام السوق الرأسمالية إلى أقلها انسجاما مع المعاييرالقياسية وهي:
أولا : النظام المؤسسي وتكامل البنية الأساسية ، وجاءت في محتواه المحاور التالية:
مدى متابعة المؤسسات العامة لعدد من المحاورعلى أسس قياسية : تنفيذ حقوق الملكية الفكرية ، محاربة الفساد ومستوى النزاهة ، ثقة المواطنين بالساسة، مستوى التبذير في المال العام ، كفاءة مجالس إدارة الشركات ، مدى حماية مصالح صغار حملة الأسهم ، مدى كفاءة وقوة معايير التدقيق المحاسبي ، مدى تكامل البنية الأساسية للاقتصاد الوطني ، كفاءة البنية الأساسية للطرق ، كفاءة البنية الأساسية للموانئ ،كفاءة البنية الأساسية للنقل الجوي ، كفاءة شبكة توزيع الطاقة الكهربائية ، كفاءة شبكة الهواتف والاتصالات .
الاقتصاد الكلّي : وجاءت محاور القياس كما يلي :
الموازنة المالية للدولة ( الفائض / العجز) ، نسبة الإدخارمن الدخل القومي ، معدل نسب التضخم ، نسب أسعار الفائدة ( معدّل سنوي) ، المديونية الحكومية الداخلية والخارجية ومدى الإلتزام بسداد المستحقات .
كفاءة نظام السوق : وجاءت محاوره كما يلي:
نسب انحرافات كلف السياسات الزراعية ، نسب انحرافات فاعلية النظم القانونية والقضائية ، فاعلية وسعة النظام الضريبي، عدد متطلبات إنشاء مشروع والإجراءات المطلوبة ، الزمن المحدد لإنشاء مشروع ، المنافسة في القطاع الصناعي ، درجة الثقة بالأسواق. حجم الاستيراد ، حجم معوقات حركة التجارة ، وجود القوانين المانعة للملكية الأجانب .
مكونات الناتج المحلي الإجمالي ( صادرات + الواردات) ، سوق العمل ، مدى مرونة التشغيل ،وإيجاد فرص العمل ،
نظم التشغيل والفصل ، مرونة سياسات تحديد الأجور ، طبيعة علاقات العاملين بالمشغلين في المؤسسات ، مرونة وحرفية إدارة المؤسسات ، درجة التكافؤ بين الأجور والإنتاجية ،وجود الممارسات التعسفية ضد العاملين ، نسبة تشغيل المرأة في شركات القطاع الخاص، حجم ورحابة أسواق الأوراق المالية ، مدى تسهيلات منح القروض ، مدى المخاطرة في رأس المال المستثمر، قوة وفاعلية البنوك ، مدى المساواة في دخول للأسواق المحلية.
مدى استعداد الفعاليات الاقتصادية للتطورات التكنولوجية .
مستوى تبني الشركات للتكنولوجيا ، قوانين نقل وتوطين التكنولوجيا ، حجم استخدام الهاتف النقال ، حجم إستخدام شبكة الإنترنت ، عدد مستخدمي الحاسب الآلي.
ضخامة المشاريع وعددها ، الشفافية في الأعمال ، عدد الموردين المحليين وكفاءة التوريد ، التخطيط البعيد المدى للفعاليات ، حجم العمليات الإنتاجية ، درجة توسع الأسواق ، مدى السيطرة على التوريد والتوزيع العالمي .
مدى رحابة تفويض السلطات ، تأكيد الفائدة التنافسية.
مدى استخدام البحث العلمي في التطوير، مستوى وعلمية المؤسسات البحثية،حجم انفاق شركات القطاع الخاص على البحث والتطوير، حجم التعاون والتنسيق بين الجامعات والشركات الصناعية في مجال البحث والتطوير، السياسات الحكومية لجلب وتطويع أجهزة التكنولوجيا المتقدمة
وعدد العلماء والمهندسين .وتفعيل منح براعات الاختراعات وقوانين حماية الملكية الفكرية .
ووفق تلك المعايير فإن أهم عشردول في ثلاثة من المعايير هي:
ـ الترتيب العام تنازليا : سويسرا ، سنغافورة ، الولايات المتحدة الأمريكية ، فنلندا ، ألمانيا ، اليابان ، هونج كونج ، هولندا ، بريطانيا ، السويد.
ـ أهم عشر دول في البنية الأساسية للاقتصاد: هونج كونج ، سنغافورة ، الإمارات ، هولندا ، سويسرا ، اليابان ، ألمانيا ، فرنسا ، أسبانيا ، بريطانيا .
ـ أهم الدول في التعليم العالي: فنلندا ، سنغافورة ، هولندا ، سويسرا ، بلجيكا ، الإمارات ، الولايات المتحدة الأمريكية ، نيوزلندا ، الدنمارك. ويمكن أن نتبين من الترتيب العام للدول التي تصدرت التصنيف هي الدول ذات النظم المالية الأيسر في حركة رؤوس الأموال والأكثر ضمانا وأمنا في تعاملاتها ، فالمؤسسات المالية في الدول المتصدرة ، بنوكا ومؤسسات استثمارية ، تقدم للمودع وللمستثمر خدمات لا يجدها في دول أخرى ، فهجرة رؤوس الأموال من مختلف دول العالم إلى سويسرا أو إلى سنغافورة وتصدرهما كمركزين ماليين الأكثر جذبا بين دول العالم كافة يفصح عن مدى ثقة المستثمر أو المودع بالضمانات التي تحفظ ماله وباليسرالمتاح لهما بالتصرف برؤوس أمولهم في أسواق تتمتع بالمنافسة الكاملة.
وبالعودة إلى علم الاقتصاد نجد أن المنافسة من بين أهم مقومات نظم السوق الرأسمالية ، وتختلف الأسواق عن بعضها البعض بدرجة خضوعها لشروط المنافسة ، فهناك أسواق تقترب كثيرا من (المنافسة الكاملة) وبدرجات ، ولعل أسواق تلك الدول التي تحتل مواقع الصدارة في تقاريرالتنافسية تأتي في مقدمة أسواق العالم بوجود المنافسة الكاملة.