حيدر بن عبدالرضا اللواتي –
تتوقع بعض الدراسات زيادة عدد السكان في دول مجلس التعاون الخليجي ليصل إلى 53.5 مليون نسمة عام 2020، أي بنسبة زيادة تقدّر بنحو 30%مقارنة بعددهم عام 2000، الأمر الذي يشكل ضغطا كبيرا على العديد من الموارد والخدمات ومنها الموارد المائية.
فالمنطقة تتعرض للكثيرمن التهديدات والمشكلات البيئية تتمثل في التصحر، وفقدان التنوع البيولوجي، وتلوث المناطق البحرية والساحلية، وتلوث الهواء، وندرة المياه، وجودتها، إضافة إلى ما نراه اليوم من الصراعات المسلحة والحروب الإقليمية، وشراء الأسلحة الفتاكة لمواجهة الصراعات المقبلة.
وتبقى مسألة توفيرالمياه من القضايا الملحة والمصيرية باعتبارها قضية عالمية وموردا استراتيجيا للجميع لاستمرارية الحياة.
ومن الدراسات الاقليمية التي تعني بهذا الجانب، دراسة صدرت عن مركز الخليج لسياسات التنمية حيث أشارت إلى أن قضية المياه تعتبر ركيزة أساسية في كافة مجالات التَنمية الشاملة، وأن قضية توفيرالمياه عادت لتُسبَب هاجساً متصاعدا عالميًا، نتيجة الطفرة السكانيَة التي حدثت خلال القرن الماضي، حيث شهدت دول مجلس التعاون الخليجي زيادة كبيرة في عدد السكان نتيجة للطفرة الاقتصادية والهجرة الأجنبية للعمالة الوافدة إلى المنطقة.
ومما لا شك فيه فإن وجود هذا العدد الكبير من البشر في المنطقة يزيد من استهلاك مصادر المياه نتيجة لزيادة الأنشطة الحياتية والزراعية والصناعية، حيث تقوم دول المجلس بدعم فاتورة المياه سنويا لتلك القطاعات الاقتصادية للاستمرار في إنتاجيتها في إطار سياسات الأمن المائي والغذائي والحفاظ عليها.
ولكن في ظل محدودية الموارد على المستوى العالمي، أصبح شح المياه قضية عالمية، ومصدرقلق متزايد حول تبعاته المصيرية وما يمكن أن تتعرض لها المياه مستقبلا.
وكما تشيرالدراسات فان أهمية منطقة الخليج تزداد عاما بعد عام نتيجة للاقتصادات الصاعدة في هذه المنطقة التي تشكّل مصدر طاقة للكثير من دول العالم نتيجة لما يتوافر لها من مواد خام من النفط والغاز والمعادن المهمة الثمينة الأخرى.
ومن هنا نرى أن العديد من المؤسسات الأجنبية تهتم بهذه المنطقة، وتعد الكثير من الدراسات عنها، تغطي بعضها القطاعات المهمة مثل قطاع المياه والكهرباء والغذاء والسكان وغيرها، إلا أنها تصنّف المنطقة على أنها من أفقر دول العالم مائياً، الأمر الذي يدفع حكومات دول المجلس على تنفيذ المزيد من المشاريع لتقليل الفجوة بين ما هو متاح من الموارد المائية المحدودة حاليا، وما يمكن توفيرها في المستقبل.
فالمياه الطبيعية تتناقص مع مرّالزمن، في الوقت الذي تزداد فيه احتياجات البشر نتيجة لزيادة أعداد القادمين إلى المنطقة، وبالتالي يزداد حجم الاحتياجات من الطلب على الغذاء والخدمات وغيرها.
كما تتميز منطقتنا بمحدودية التّساقط المطري سنويا، والاستنزاف الجائر للمياه الجوفية، وتدهورنوعيّتها، الأمرالذي يزيد من هذه المشكلة لتتفاقم يوماً بعد يوم، في الوقت الذي تعاني فيه ضعفا في أجهزة إدارة المياه وحمايتها.
وتؤكد الدراسة الأخيرة إلى أن المنطقة تعاني من قلة الاعتمادات الماليّة اللّازمة لتنميّة الموارد المائيّة، والبحث عن موارد مائيّة اقتصاديّة جديدة، علاوة على عدم احترام القوانين والتّشريعات الخاصة بالمياه، وضعف الوعي الخاص بقضايا المياه ومشاكلها، بالإضافة إلى مشاكل تدهورنوعيّة المياه الجوفية نتيجة للاستنزاف المتزايد لتلبية الأنشطة الزراعية والسكانية والصناعية، بل وهناك تحدّياتٍ أخرى تتمثّل في وضع خطط وسياسات وبرامج ديناميكية آمنة تضمن تحسين وتطوير وبناء قدرات المؤسّسات العامة والخاصة في طرق إدارتها للمصادرالمائية، وتدبير مصادر متجدّدة لضمان التنمية المستدامة للأجيال القادمة، مع ضمان الحدّ الأدنى للمحافظة على البيئة.
ووفقا للتقارير الدولية فأن موارد المياه المتاحة لكل فرد في العالم سوف تتقلص بنسبة لا تقل عن 50% خلال الفترة الواقعة بين عامي 2000 – 2025، وتكمن الخطورة عند معرفة أن نسبة الاستهلاك العالمي للمياه تزداد بمعدل 8.4% سنوياً.
وفي خضم هذا الواقع العالمي الذي يعاني من مشكلة نقص حاد في الوضع المائي، أصبح تقاسم مصادرالمياه ضرورياً أكثر فأكثر، وصعباً بفعل تنوع الحاجات والاستخدامات واللاعبين.
وقد نبه العديد من التقارير والدراسات إلى أن القرن الحالي سيشهد حروباً داخلية وخارجية للسيطرة على المياه مثلما شهد القرن الماضي حروباً على النفط، وتبدو المياه رهاناً استراتيجياً تدخل في صميم الأمن القومي لأي بلد سواء على الصعيد السياسي، او الاستراتيجي، أو الاقتصادي الاجتماعي.
فالمياه ستكون على الأرجح مصدرالاضطرابات، لا بل مصدرا للحروب في الشرق الأوسط خلال السنوات العشرين المقبلة وفق تصريحات بعض المتخصصين والخبراء، خاصة وأن احتياطيات المياه الجوفية تشكل مورداً محدوداً يتم استغلاله على نحو يفوق قدرته على تجديد نفسه نتيجة للاستنزاف المستمر.وهشاشة الوضع المائي في دول الخليج تعد أيضا قضيّة مصيرية بل وجودية، حيث عانت المنطقة تاريخيّاً من الجفاف والقحط في الفترات التي سبقت العصر النفطي، لذلك من المهم وضع الملف المائي في مقدمة الأولويات والتّحديات التي تواجه المنطقة.
ووفقا لدراسة مركز الخليج لسياسات التنمية فهناك حاجة فعلية لاتخاد خطواتٍ إيجابية لتنمية الموارد المائية في المنطقة، بما يُحقّق التنمية المُستدامة، ويبعد شبح شحّ المياه عن المنطقة بشكل نهائي، بحيث يتم توفير الاحتياجات المائية لكافة الأغراض الحالية والمستقبلية، على أن يعتمد في المقام الأول على دقة تقييم وتحديد الإمكانيات المائية التقليدية وغيرالتقليدية، مثل إعادة استخدام الصرف الزراعي والصحي، وتحلية مياه البحر، وحماية الموارد المائية من الهدر والتلوث في إطار تبني سياسات وطنية وإقليمية ملائمة، وتفعيل ودعم القدرات المؤسسية المسئولة عن إدارة المياه وتطبيق التشريعات المناسبة على أساس بيئي سليم.
إن دول المنطقة تعمل على تعزيز المصادر المائية غير التقليدية في إطار البحث عن مصادر مائية جديدة، فهي تُعتبر من أكبر مناطق العالم إنتاجاً للمياه غير التقليدية، إما بواسطة معالجة مياه البحر، أو بواسطة تنقية مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها في الإنتاج الزراعي، وهذه بلا شك تُكلّف الحكومات مبالغ باهظة مقارنة بتكلفة الموارد المائية التقليدية، إلا أن الكثير من مظاهرالحياة الحالية تعتمد على هذه المياه، ويزداد الطلب عليها نتيجة لبعض عادات الاستنزاف التي تعود عليها الفرد في المنطقة والتي تزيد الطلب اليومي على المياه من جهة، وبسبب تضاعف أعداد البشر، ونمو المدن الكبرى، وما يصاحبها من أنشطة جديدة من جهة أخرى.
والقضية الأخرى التي تهم هذا الجانب هي إلى أن تكلفة إنتاج المياه في دول المجلس في مقابل سعرالبيع للمستهلكين تعتبر ضيئلة في إطار سياسات حماية المستهلك. فأسعاراستهلاك المياه في دول مجلس التعاون الخليجي على سبيل المثال تعتبرغير مكلفة، على الرغم من ندرة المياه، وتكلفة إنتاجها العالية، فيه تعتبر من أرخص الأسعار الاستهلاكية في العالم، ممّا يفاقم من قضية الإسراف في الاستهلاك، وعدم دفع القيمة الحقيقة للمياه في دول تعاني من هشاشة في هذا الجانب. وهذا ما يجب النظر إليه والعمل على توعية الجميع بأهمية المحافظة على المياه وعدم استنزافها، وعدم الاتجاه نحو الاستهلاك المفرط واستغلالها في أمورلا تعود بالنفع على الحياة الاقتصادية والاجتماعية للبشر، خاصة وأن بعض الدراسات تشير إلى أن نسبة هدر المياه في المدن الخليجية تفوق30% من المياه المُخصّصة لأغراض الشرب والاستخدام المنزلي، بسبّب تدني مستويات الصّيانة والتخلّف التكنولوجي وضعف الإدارة الفنية والماليّة.