مسعود الحمداني -
Samawat2004@live.com -
لكل شاعر حلم جميل يتمنى تحقيقه..
والحلم لا يأتي بدون عمل وجهد..
وجهد الشاعر قليل..قليل جدا..
فهو يحلم بملء عينيه، ولديه كل أدوات التحقيق، وتحويل الحلم إلى واقع، ولكن لا يستغل هذه الأدوات، فهو قد يكون أكثر المخلوقات حلما وأكثرها كسلا…وأسرعها إحباطا..!!
فعند أول صخرة يقف، وعند أول منعطف يبتعد، وعند كل نشرٍ لا يجد صداه يشعر بالغبن، وعند أول فوز في مسابقة ما يشعر بالسعادة، وحين لا يفوز في المرة القادمة يشعر بكل جبال العالم تتكوّم فوق صدره..
والشاعر مخلوق ملائكي أو على الأقل هذا ما يجب ولكنه في الواقع يمارس كل (إبليسيّته)، يكتب عن الطهر والنبل والصدق والوفاء، وهو يمارس في واقعه كل ما يخدش هذه القيم، بل ويمعن في تلطيخها مع سبق الإصرار والترصد..
والشاعر أكثر المخلوقات احتراما للشعر، فهل سمعتم عن شاعر يكتب القصيدة ثم يلعنها؟..وهل سمعتم عن شاعر عرفه الناس من خلال قصيدته وخرج من دائرة النكرة إلى رحاب المعرّف ثم حين تضيق عليه الدنيا يشتم قصيدته والشعر ومن اخترع الشعر؟..ولا أدري ما دخل الشعر في بهدلة حياته..!!.
والشاعر هو الصانع الوحيد الذي لا يحترم صنعته، فالقصيدة لديه مجرد عبث لا قيمة له، يمارسها في لحظة صدق أو كذب لا يهم ثم يرمي بها في كومة من الأوراق، أو في أي مكان آخر، وحين يحتاجها لا يجدها لأن ما تكدس فوقها من أوراق مهمة وغير مهمة جعلها في خانة النسيان، أو ربما يرمي بها في سلة المهملات دون أن يدري..أرأيتم إلى أي مدى يحترم الشاعر نصّه؟!!
والشاعرة تعيش هي الأخرى مأساتها..تصطدم كثيرا بازدواجية المجتمع وتناقضاته، فالأهل يسمحون لها بالعمل، والخروج إلى السوق بمفردها، والاختلاط بكل أشكاله، ولكنهم لا يطيقون فكرة أن تكون (شاعرة)..فالشعر بالنسبة لهم عيب كبير، وفعل فاضح لدى البعض!!..فالتعبير عن المشاعر، ورؤية الحياة بشكل أوسع فكرة مقلقة بالنسبة للرجل..فهو يريدها صماء بكماء عمياء لا تناقش ولا تعبّر عن نفسها..بل ويمعن في ذلك التناقض حين يسمح لها بالكتابة باسم مستعار، ويرفض نشرها باسمها الحقيقي، لأن مجتمعاتنا تربّت على مسألة التخفّي والرؤية من خلف ساتر، ولكن..أليس من يكتب هذه الأحاسيس أو تلك هي نفس الذات بغض النظر عن الاسم؟!!..ألا يعني ذلك أننا نقع في فخ الازدواجية في أبشع أشكالها؟!!..أيهما أهم القشرة الظاهرة للشيء أم العمق واللب الداخلي له؟!!..أعتقد بأن الكثيرين يفضّلون أن يروا الأشياء بعمى ألوان كبير..ولا يجدون سوى المرأة لممارسة هذه النظرية لأنها مخلوق (صامت)..وهنا تدفع الأنثى الثمن دائما لأنها ضحية لضغوط اجتماعية وثقافية غير واضحة، ورغم ذلك فالشاعرة هي آخر من يدافع عن حقوقه الحياتية البسيطة!!
إننا نعيش في مدن المتناقضات غير الفاضلة..هذا ما أردناه لأنفسنا ربما..وهذا ما يجعل للأشياء التي نقوم بها لونين نرى أحدهما في غياب الآخر..لونان متناقضان يعيشان فينا، ويموتان فينا..تماما كما هي الحياة في أعقد صورها. وللجميع محبتي