الخطأ الطبي في العمليات الجراحية (1/2)

115743تعتبر مهنة الطب من أهم المهن الإنسانية، والتي يتوجب على من يمارسها احترام جسم الإنسان في جميع الظروف والأحوال، حيث يتحتم على الطبيب أن يحافظ على أرواح الناس وسلامتهم عندما يقوم بواجباته، لأن مهنة الطب تفرض عليه واجبا أخلاقيا وقانونيا وذلك ببذل أقصى الجهود عندما يقوم بمعالجة مرضاه.ولإعطاء الطبيب المجال الكافي لمعالجة مرضاه في جو من الثقة والاطمئنان ودون خشية أو تردد، فقد كان قديماً لا يسأل الأطباء عن أخطائهم التي ترتكب أثناء ممارسة مهنتهم، ولكن بمرور الزمن وتزايد عدد الأطباء وتنوع أعمالهم، وما صاحب ذلك من زيادة في استعمال الآلات والأجهزة الطبية، الأمر الذي أدى إلى كثرة المخاطر الناجمة عن الأعمال الطبية، هذا إضافة إلى تزايد الوعي العام لدى المرضى، فلم يعد لديهم إلقاء ما يصابون به من أضرار ناجمة عن عمل الطبيب، إلى القضاء والقدر، وإنما في بعض الأحيان إلى أخطاء الأطباء، وبسبب هذا التطور والوعي، فقد أصبح من الممكن مساءلة الأطباء عن الأخطاء الناجمة عن ممارستهم الأعمال الطبية حيث صدرت التشريعات القانونية التي تنظم عمل الأطباء ومحاسبتهم في حالة صدور أخطاء طبية من جانبهم.

وكانت مسؤولية الطبيب تترتب إذا ارتكب أخطاء عمدية، ثم ما لبثت أن تطورت فأصبح الأطباء لا يسألون فقط عن الأخطاء العمدية وإنما أيضا عن الإهمال والخطأ الجسيم، وقد كان ذلك نتيجة للتطور العلمي في طرق العلاج الطبي. ولعل أهم ما يبرر مساءلة الطبيب هو الخطأ الطبي الذي يصدر منه أثناء ممارسة مهنة، ولما كانت مهنة الطب تنطوي على وجود تخصصات مختلفة حصلت نتيجة حاجات الناس والتقدم العلمي الذي حصل في مجال الأعمال الطبية، لهذا فإن الأخطاء الطبية تختلف وتتنوع تبعاً لتلك التخصصات الطبية.

وما يهمنا هنا هو الخطأ الطبي في العمليات الجراحية، بالنظر لأهمية وخطورة هذا النوع من الأخطاء الطبية، وكونها تنشأ أثناء قيام الطبيب الجراح بالتداخل الجراحي الذي ينصب على جسم الإنسان أو عضو من أعضائه، وقد يؤدي الخطأ في العمليات الجراحية إلى فقدان الإنسان لحياته أو فقدان عضو من أعضائه أو حصول تشوه أو عاهة أو شلل في أحد أعضاء جسم الإنسان.


أولا: مفهوم الخطأ الطبي الجراحي

1- مفهوم الخطأ الطبي بوجه عام


يعرف الخطأ بصورة عامة، بأنه انحراف عن السلوك المألوف للشخص العادي، فإذا خرج الشخص بسلوكه عن سلوك الإنسان العادي فإنه يكون مخطئاً وتترتب مسؤوليته، وطبيعي فإنه لا يمكن مساءلة الشخص عن خطأ ارتكبه تجاه الغير، ما لم تتوافر أركان المسؤولية وهي الخطأ والضرر وعلاقة السببية.

أما بالنسبة للطبيب، فلما كان الالتزام الذي يقع على عاتقه تجاه مرضاه هو التزام ببذل عناية، والذي يفرض عليه بذل العناية اللازمة التي تقتضيها الأصول العلمية والفنية في مجال الطب، لأجل شفاء المريض وتحسن حالته الصحية، عليه فإن إخلال الطبيب بهذا الالتزام يشكل خطأ طبياً يرتب المسؤولية الطبية، فالخطأ الطبي بوجه عام يكون عند وجود تقصير في مسلك الطبيب.

وقد استقر الفقه والقضاء وكذلك القوانين، على أن التزام الطبيب تجاه المريض هو التزام ببذل عناية، وإن كانت هناك بعض الحالات يكون فيها التزام الطبيب التزاماً بتحقيق نتيجة، ويفترض في العناية المطلوبة من الطبيب، هي العناية التي تقتضيها الأصول العلمية في الطب، والتي يتوجب أن يقدمها طبيب في مستواه المهني فيما لو وجد في الظروف نفسها، وعليه فإذا خرج الطبيب عن ذلك يشكل خطأ يستوجب مساءلته عن أي ضرر يصيب المريض. وعليه فإن معيار الخطأ الطبي هو معيار عام أساسه سلوك الطبيب العادي، ولأجل معرفة خطأ الطبيب في علاج مريضه، يتوجب قياس سلوكه وذلك بمقارنته بسلوك طبيب آخر من نفس مستواه. وفي جميع الأحوال عند تقدير الخطأ الطبي للطبيب يتوجب الأخذ بنظر الاعتبار الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب عند ارتكابه الفعل، وفيما إذا كانت الإمكانيات المادية كالأدوات والآلات متوافرة للعلاج أم لا.

ومن أمثلة الأخطاء الطبية الشائعة رفض علاج المريض أو التأخر في ذلك، إذا كان المريض في حالة خطرة تستدعي من الطبيب مساعدته والتدخل السريع لعلاجه. وكذلك يعتبر من الأخطاء الطبية الخطأ في تشخيص المرض، إذا كان مبنياً على جهل في الأصول العلمية بمهنة الطب والتي يتوجب عليه معرفتها، وكان ذلك يعود إلى عدم استعماله الوسائل العلمية في التشخيص كالسماعة والأشعة والتحاليل المختبرية إذا كان في مستشفى، حيث يتوجب عليه استعمال هذه الوسائل في معرفة حالة المريض.

كذلك يعتبر من الأخطاء الطبية، خطأ الطبيب في وصف العلاج اللازم للمريض، إذ يقع عليه أن يأخذ بنظر الاعتبار نوع المرض وحالة المريض وعمره ومدى تحمله للمواد التي تحويها الأدوية، كذلك يعتبر خطأ من جانب الطبيب إذا وصف للمريض دواء غير مناسب لحالته المرضية أو أنه يؤدي إلى مضاعفات كبيرة ومضرة بصحته، كذلك يعتبر خطأ طبيا حقن المريض بمادة غير المادة المتعارف عليها بالنسبة لحالة المريض، كما يعتبر خطأ من جانب الطبيب إذا استخدم علاجاً قديماً مهجوراً أو لجأ إلى أسلوب علاجي غير معروف أو غير مأمون العواقب.

ويعتبر أيضاً من الأخطاء الطبية التي يسأل عنها الطبيب خروجه عن الغاية أو الهدف من عمله الطبي تجاه المريض، فإذا تخلف هذا الهدف عن عمله يكون مسؤولاً عن ذلك، كما لو أجرى تجارب على المريض لا بقصد علاجه وإنما لاكتشاف علاج جديد، فالتجربة في هذه الحالة لا تستهدف علاج المريض الذي تمت ممارسة التجربة عليه، ويلاحظ في هذه الحالة بأن الطبيب إذا خرج عن الغاية المفروضة عليه وهي شفاء المريض، فإن مسؤوليته قد تترتب إذا كان القصد منها للبحوث العلمية البحتة وأصاب المريض منها ضرراً.

ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن المادة (26) من النظام الأساسي للدولة في سلطنة عمان رقم (101) لسنة 1996 تلزم الطبيب عند إجراء تجربة طبية أو علمية على المريض أخذ رضائه على ذلك.

كما نشير بهذا الصدد إلى أن الفقرة (ج) من المادة (19) من القانون العماني لمزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان، حملت الطبيب المسؤولية عن الأضرار التي تصيب المريض، إذا أجرى عليه تجارب أو أبحاثاً علمية غير معتمدة من قبل وزارة الصحة، وحتى ولو كانت هذه التجارب معتمدة من وزارة الصحة، فنحن نرى عدم إجرائها للمريض إذا لم تتضمن فائدة مباشرة له، فإذا لم يراع الطبيب ذلك وأجرى مثل هذه التجارب، فإنه يكون قد أزال عن عمله الطبي الحماية القانونية.


2- الخطأ الطبي في العمليات الجراحية

يلتزم الطبيب الجراح تجاه المريض ببذل العناية اللازمة عند إجراء العملية الجراحية له، إلا أن التزامه يكون هنا أكثر أهمية، لأن عمل الجراح يتطلب درجة عالية من الحرص، إذ أنه ينصب على جسم الإنسان، حيث ينطوي على قدر من الخطورة والمجازفة، ولهذا فإن مسؤولية الطبيب الجراح تنشأ إذا لم يتخذ الاحتياطات اللازمة قبل وأثناء إجراء العملية الجراحية للمريض.

وبناء على ذلك يقع عليه قبل إجراء العملية الجراحية، القيام بفحص المريض فحصاً شاملاً، وهذا الفحص يجب أن لا يقتصر على المكان أو العضو الذي سيخضع للعملية الجراحية، وإنما يمتد هذا الفحص ليشمل حالة المريض العامة للتأكد من أن حالته تسمح بإجراء العملية الجراحية والنتائج التي يترتب عليها، وعليه أن يتأكد من توافر الإمكانيات اللازمة للقيام بالعملية الجراحية، من حيث توافر المواد والآلات والأشخاص المساعدين له كالطبيب المُخدِّر والمُمَرضين.

كذلك يسأل الطبيب الجراح بسبب الخطأ الناتج عن عدم فحص العضو الذي سوف تجرى له العملية، للتأكد من حاجة هذا العضو للعملية الجراحية، كفحص المثانة أو الكلى لاستخراج حصاة فيها، إذ أن الأمر يتطلب قبل إجراء العملية فحص هذه الأعضاء للتأكد من حاجة المريض لإجراء هذه العمليات، وعلى الطبيب الجراح القيام بعمليات الفحص والتحاليل المختبرية والتصوير بالأشعة، لمعرفة حالة العضو قبل إجراء العملية، فقد يكون العضو سليماً ولا يحتاج المريض لإجراء العملية، أو قد يقوم الجراح باستئصال عضو سليم بدل العضو التالف.

كذلك يعتبر الطبيب الجراح قد ارتكب خطأ، إذا أجرى العملية الجراحية دون أن يحتاط لذلك، بإحضار طبيب مختص بالتخدير، خصوصاً بالنسبة للعمليات الكبرى التي تحتاج إلى وقت من الجراح لإجرائها، حيث لا يمكن عملها دون الاعتماد على تخدير المريض من قبل طبيب مخدر.

ويتوجب من الطبيب الجراح قبل إجراء العملية الجراحية للمريض، التأكد من أنه قد امتنع عن الأكل والشرب قبل إجراء العملية، والقاعدة العامة أن الطبيب الجراح كغيره من الأطباء الآخرين لا يضمن نتيجة عمله الطبي والشفاء التام من ذلك، طالما التزم ببذل العناية الكافية التي تتطلبها الأصول العلمية والفنية لإجراء العملية لمرضاه، إلا أن مسؤوليته تنشأ إذا تأكد بأنه لم يقم بواجبه في إجراء العملية الجراحية للمريض بالمستوى والمهارة التي تتناسب وتخصصه وما يمكن أن ينتظره المريض منه. فالخطأ الطبي في العمليات الجراحية، هو مخالفة الطبيب الجراح، أثناء إجراء العملية الجراحية ، للأصول العلمية المتبعة في مجال مهنته، ولمعرفة خطأه يقاس سلوكه بسلوك طبيب جراح من نفس تخصصه ومستواه المهني وما يتمتع به من مؤهلات علمية، مع الأخذ بنظر الاعتبار الظروف الخارجية والإمكانيات المادية التي توفرت عند إجراء العملية الجراحية، وفي ضوء ذلك يسأل الطبيب الجراح عن كل تقصير في مسلكه الذي لا يمكن توقعه من طبيب جراح آخر في نفس مستواه وتخصصه فيما لو وجد في الظروف نفسها التي أحاطت به عند إجراء العملية الجراحية.


ثانيا: صور الأخطاء الطبية في العمليات الجراحية

للأخطاء الطبية الجراحية صور تختلف عن الأخطاء الطبية في التخصصات الأخرى، وهذه الأخطاء الجراحية بعضها يكون شائعاً كثير التكرار، والبعض الآخر يكون فيها خطأ الطبيب الجراح واضحاً، ونورد فيما يلي صوراً لبعض هذه الأخطاء:

من المعلوم أنه يقع على الطبيب الجراح قبل إجراء العملية الجراحية للمريض أخذ موافقته على ذلك، ويجب أن تصدر هذه الموافقة بعد معرفته بحقيقة العملية والنتائج المحتملة عنها، إذ لا يجوز إجراء العملية دون رضا المريض، وتزداد أهمية ذلك في الأحوال التي قد يتعرض فيها المريض للخطورة عند إجراء العملية، إلا أنه في حالة الضرورة التي لا تسمح فيها ظروف المريض بالتعبير عن إرادته، فيمكن في هذه الحالة أخذ موافقة ممثله القانوني أو أقرب أقربائه، وبخلاف ذلك يعتبر الطبيب مخطئاً ويكون مسؤولاً، إذا أجرى العملية دون رضا المريض أو من يمثله قانوناً فيكون مسؤولاً عن النتائج الضارة للعملية الجراحية ولو بذل العناية المطلوبة فيها.

أما في حالة الضرورة أو الاستعجال، فيرى الفقه في هذه الحالة إعفاء الطبيب من الحصول على رضا المريض، ولا يعتبر تصرفه خطأ يوجب مسؤوليته، ولكن يشترط في مثل هذه الأمور أن تكون حالة المريض لا تحتمل التأخير وأن يكون فاقد الوعي وغير قادر على التعبير عن إرادته، وتطبيقاً لذلك قضي بعدم مسؤولية الطبيب الجراح الذي قام باستئصال ثدي امرأة بأكمله أثناء إجراء عملية لإزالة كيس دهني من نفس ثدي المريضة، حيث وجد من الضروري إزالة الثدي لاكتشاف إصابته بالسرطان.

ويلزم من الطبيب الجراح استخدام الطرق الحديثة في الفحص لمعرفة حالة المريض قبل إجراء العملية الجراحية، وعليه في هذه الحالة استخدام السماعة وأجهزة رسم القلب والتحاليل الطبية والتصوير بالأشعة في تشخيص المرض كلما كان ذلك ممكناً، فيكون مسؤولاً إذا أخطأ في تشخيص حالة المريض وكان ذلك يعود إلى عدم استخدام الطرق الحديثة في التشخيص والتي تقتضيها حالة المريض.

وعلى الطبيب الجراح إجراء العملية الجراحية للمريض في المستشفى، وذلك لتوفر جميع الوسائل اللازمة لإجراء العمليات الجراحية من أدوات وأجهزة ومواد طبية وأوكسجين وغيرها، وبناء على ذلك فقد قضت إحدى المحاكم في أبوظبي بمسؤولية الطبيب عن وفاة امرأة كانت حاملاً، حيث أجرى عملية الولادة لها في منزلها دون نقلها إلى المستشفى، إذ استعصى عليه إخراج الجنين من بطن أمه، وأدى إلى تدهور حالتها الصحية وعلى أثر ذلك تم نقلها إلى المستشفى حيث توفيت في غرفة الإنعاش مع الجنين، وقد قضت المحكمة بمسؤولية الطبيب عن ذلك، لأنه ارتكب عدة أخطاء منها معرفته بعسر الولادة الذي يقتضي إجراء عملية قيصرية في المستشفى، كذلك إهماله في عدم استخدام الأدوات اللازمة لمثل هذه الحالة كتزويدها بالسوائل والأوكسجين لحاجتها لمثل هذه المواد، كما أن عمله ينم عن جهل وإهمال، حيث كان الواجب عليه أن يقوم بنقل المرأة الحامل إلى المستشفى قبل أن تسوء حالتها الصحية.

كما يقع على الطبيب الجراح اتخاذ الاحتياطات اللازمة عند استعمال الأدوات اللازمة في العمليات الجراحية، حيث يكون مسؤولاً إذا أهمل في ذلك، وعليه فقد قضت إحدى المحاكم الفرنسية، بمسؤولية الطبيب الجراح عن موت المريض الناتج عن انفجار آلة كهربائية كانت مستعملة من قبل الجراح أثناء العملية الجراحية، لأنه أهمل في استخدامها بالقرب من جهاز آخر الأمر الذي أدى إلى انفجار تلك الآلة الكهربائية، كما تمت مساءلة الطبيب الجراح عن الحروق التي أصيب بها المريض نتيجة استعماله آلة كهربائية، وقد كان ذلك ناجماً عن عدم الحيطة والتبصر التي يفترض بالطبيب الجراح مراعاتها عند إجراء العملية الجراحية، ويطلب من الطبيب الجراح التأني والاحتراز عند إجراء العملية الجراحية للمريض، وعليه فيعتبر مسؤولاً عن عدم احترازه عند إجراء العملية الجراحية أو عند استعمال الأشياء أثناء الجراحة. ولهذا فقد قضت إحدى المحاكم الفرنسية بإدانة الطبيب الجراح بسبب ما بدر منه من رعونة تمثلت في إجراء العملية بسرعة ودون احتراز من جانبه بخلاف ما تقتضي به الأصول المتبعة في العمليات الجراحية، كما قضت أيضاً إحدى المحاكم الفرنسية بمساءلة الطبيب الجراح عن خطأه الذي أدى إلى سقوط مريضة من منضدة الجراحة والذي نتج عنه إصابتها بتشوه في ذراعها، حيث يعتبر ذلك خطأ من جانب الطبيب الجراح الذي قام بإجراء العملية الجراحية دون التأكد من سلامة المنضدة وآلات تثبيت المريضة عليها، إذ كان عليه التأكد من حسن استقرار المريضة عليها.

وعلى الطبيب الجراح استخدام الطرق الحديثة عند إجراء العمليات الجراحية، والابتعاد عن الطرق البدائية في ذلك وتطبيقاً لذلك فقد قضت إحدى المحاكم في كندا بمسؤولية الطبيب الجراح عن الأضرار التي أصابت المريض بسبب تجبير كسر في فخذ طفل، حيث اتبع في ذلك طريقة بدائية نتج عنها تلف سريع للعضو الذي تم تجبيره وقد أدى ذلك إلى بتره، وقد أشارت المحكمة عندما أدانت الطبيب الجراح في هذا الحكم، إلى أنه من الواجبات الأساسية التي تقتضيها مهنته إتباع الوسائل العلمية لكي يساير مستجدات العلوم الحديثة عند إجراء علاج المريض.

ويتوجب من الطبيب الجراح إتباع الأصول العلمية المتعارف عليها عند إجراء العملية الجراحية، فإذا خرج عن ذلك تترتب مسؤوليته، وبناء على ذلك فقد قضت إحدى المحاكم الكويتية بمساءلة الطبيب الجراح عن خطأ مهني ارتكبه في عملية ختان أجراها على خلاف الأصول الفنية المتبعة في مثل هذه الحالة، حيث أخطأ بإزالة كامل الجلد للعضو وليس إزالة جزء منه كما هو متبع في عملية الختان، الأمر الذي أدى إلى تشويه مكان العملية.

ويقع على الطبيب الجراح عند الانتهاء من العملية الجراحية التأكد من إزالة المواد وقطع الشاش المستعملة في العملية، ومن الأخطاء التي تتكرر دائماً ترك الطبيب الجراح لبعض هذه المواد أو قطع الشاش في مكان العملية، وسبب ذلك قد يعود إلى انكماش هذه القطع داخل جسم المريض حيث يصعب تمييزها عن أحشاء الجسم، حيث يقوم الجراح بعد الانتهاء من العملية بخياطة الجرح، فتبقى إحدى هذه القطع في مكان العملية داخل جسم الإنسان، وبعد فترة من إجراء العملية يشعر المريض بآلام في مكان العملية، وقد يصاحب ذلك ارتفاع في درجة الحرارة التي تعود للالتهابات الناتجة عن تعفن هذه القطعة في داخل جسم الإنسان، الأمر الذي يستلزم إعادة فتح جرح العملية لاستخراج قطعة الشاش من جسم المريض، وقد تؤدي مثل هذه الحالات في بعض الأحيان إلى وفاة المريض نتيجة لتأثر المريض بالتعقيمات والالتهابات الناتجة عند ذلك. وغالباً ما يدفع الطبيب الجراح مسؤولية ذلك على مساعديه من الممرضات والممرضين، على اعتبار أن من واجباتهم تنظيف مكان العملية من هذه القطع بعد الانتهاء من العملية، إلا أن ذلك لا يعفي الطبيب الجراح من هذه المسؤولية، فالقضاء دائماً يتشدد مع الطبيب الجراح في مثل هذه الحالات، لأنه يتوجب عليه التأكد من عدد قطع الشاش المستخدمة في العملية الجراحية وخلو مكان العملية منها ونظافته قبل القيام بخياطة جرح العملية، ولكن ذلك لا يعني إعفاء الممرضين المساعدين من المسؤولية في هذه الحالة، حيث يتحملون جانبا من هذه المسؤولية إذ يقع عليهم القيام بنظافة مكان العملية قبل خياطة الجرح.

كما يقع على الطبيب الجراح بعد إجراء العملية الجراحية، القيام بواجب الإشراف والرقابة على المريض حتى يستطيع استعادة كامل وعيه ووظائف أعضائه وخصوصاً الأمعاء، وعليه فقد قضت محكمة النقض الفرنسية في قرار لها بمسؤولية الطبيب الجراح عن الأضرار التي أصابت المريض الذي لم يتم إنعاشه بعد العملية بشكل تام لاستعادة وظائف أعضاء جسمه. وهذا لا يعني وجوب ملازمة الطبيب الجراح لمريضه طوال الوقت بعد إجراء العملية، ولكن تركه بعد العملية دون إشراف ورقابه يعد إخلالاً من جانبه يرتب مسؤوليته، إذا أدى تركه بدون مراقبة إلى نتائج ضارة لم تكن تحصل للمريض لو كان قد خضع لإشراف الطبيب الجراح.