العمانيون أول من نشروا «الخيول» بين العرب

Share Button

محافظة ظفار أرض بكر لتوطينها –

عامر بن غانم الرواس –

يعد الحصان العربي أقدم وأنبل وأجمل الخيول في العالم، وهو من السلالات الخفيفة يرجع تاريخه إلى ما قبل ميلاد المسيح عليه السلام.

ومن المعروف أن معظم سلالات الخيول في العالم تحمل خاصية من خواص الحصان العربي حيث يقال إنه حدث اختلاط ما في إحدى سلاسل تطورها مع دم الخيول العربية، ومهما اختلف في أصله يبقى اسمه العربي في كل بقاع الدنيا فهناك الكثير من الجدل والنقاش حول الأصل الأول لهذا الحصان فالبعض ينسبه إلى الحصان المنغولي وآخرون يشيرون إلى أن أصله يعود إلى الصحراء الليبية وهناك من يزعم أنه وجد على شكل قطعان حرة برية في شبه الجزيرة العربية منذ القدم بينما تؤكد المصادر القديمة والحديثة أن هذا الحصان أصيل في شبه الجزيرة العربية، ولم يفد إليها من خارجها، كما يدعي بعض الدارسين، وهناك من المغرضين من يزعم بأن الحصان الأصلي نشأ خارج الجزيرة العربية ثم ادخل إلى فلسطين وسوريا من الشمال الغربي ثم إلى بلاد العراق في القرن الحادي عشر قبل الميلاد حيث أدخله الهكسوس الرعاة من سوريا إلى مصر ومنها إلى الجزيرة العربية ولكن جميع تلك النظريات تفقد الركائز العلمية الثابتة التي من شأنها حسم النقاش وإنهائه لطرفها.

ومن الأكيد أن الخيول العربية كانت موجودة في شبه جزيرة العرب في عهد المسيح عليه السلام وظهرت أهميتها بشكل واضح أثناء الجاهلية قبل الإسلام، وتبقى بقية الآراء والنظريات فقيرة إلى دليل ويعوزها الحجة والبرهان.

وذكر ابن الكلبي في كتاب أنساب الخيل أن أول من ركب الخيل هو إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام، وتعد أول الخيل انتشارا بين العرب هي (زاد الراكب) ومن نسلها (الهجيس) ومنها (الديناري).

وروى ابن الكلبي أن أول ما انتشر في العرب من تلك الخيل كان بعد قدوم قوم من الأزد من أهل عمان على النبي سليمان بن داوود بعد تزوجه بلقيس ملكة سبأ فسألوه عما يحتاجون إليه من أمر دينهم، ودنياهم حتى قضوا من ذلك ما أرادوا وهموا بالانصراف فقالوا: يا نبي الله إن بلدنا شاسع وقد أنفقنا من الزاد الكثير فمر لنا بزاد يبلغنا بلادنا فدفع إليهم سليمان فرسا من خيله وقال هذا زادكم فإذا نزلتم فاحملوا عليه رجلا وأعطوه مطردا وأوقدوا ناركم فأنكم لن تجمعوا حطبكم وتوقدوا ناركم حتى يأتيكم بالصيد فجعل القوم لا ينزلون منزلا إلا حملوا على فرسهم رجلا بيده مطرد واحتطبوا وأوقدوا نارهم فلا يلبث أن يأتيهم بصيد من الظباء والحمر فيكون معهم ما يكفيهم ويشبعهم إلى المنزل الأخير. فقال الأزديون ما لفرسنا هذا اسم إلا (زاد الركب) فكان أول فرس انتشر في العرب من تلك الخيل فلما سمعت بنو تغلب أتوهم فاستطرقوهم فنتج لهم من ( زاد الركب) (الهجيس) فكان أجود من زاد الركب وكان من مشاهير خيلهم إضافة إلى الهجيس القيد وحلاب فلما سمعت بكر بن وائل أتوهم فاستطرقوهم فنتج من الهجيس الديناري فكان أجود من الهجيس وكذلك فعل بنو عامر فكان لهم سبل من الخيل العتاق أمها (سوادة) وأبوها (الفياض).

وهكذا نشأت الخيل الأصيلة في جزيرة العرب فوق هضاب نجد ومنطقة عسير واليمن وجنوب عمان تلك المناطق التي كانت وما زالت من أخصب وأطيب المناطق وأكثرها ملاءمة لتربية الجياد استنادا إلى الأدلة العلمية التي قدمتها أحدث الكشوف الأثرية وهذا ما تؤيده فعلا النصوص القديمة فما تم التوصل إليه حديثا كان معروفا وبديهيا منذ أكثر من خمسة عشر قرنا.

ولم تبخل المصادر القديمة بتقديم أوصاف شاملة للفرس العربي الأصيل حيث ألفت في ذلك كتب كثيرة وكم هي تلك الدراسات الحديثة التي أجراها الغرب في تحديد أوصاف الحصان العربي معتمدين على ما سمعوه وما شاهدوه بأم أعينهم في الصحراء العربية حيث استقوا معلوماتهم من الأصل والمنبع ثم أخذوا يفسرون ويعللون حسب الموجودات التي بين أيديهم فتوصلوا إلى الطرق المثالية الحديثة والمطورة في الحفاظ على الجياد العربية.


صفات الخيل

وذكر الدكتور كامل الدقيس الصفات الجسمية للحصان العربي فقال: وهذه الخيل العراب هي أصل لكل الجياد الأصيلة في العالم وأجودها الخيل النجدية وتمتاز برأسها الصغير وعنقها المقوس وحوافرها الصلبة الصغيرة وشعرها الناعم وصدرها المتسع وقوائمها الدقيقة الجميلة وهي قوية جدا وتلوح على وجهها علامات الجد كما أنها تمتاز بالسرعة.

ومن الأمور المهمة التي كان لها العامل الأكبر في صيانة هذا العرق النبيل واصطفائه اهتمام العرب وولعهم الشديد بأنساب خيولهم وأصلها فكانوا يقطعون المسافات الطويلة مع خيلهم ليصلوا بها إلى فحل ماجد العرق معروف النسب والحسب فيلقحونها منه وهم مطمئنو البال مرتاحو الخاطر.

ولعل الأمر الأهم هو العادات والتقاليد التي اتسمت بها حياة ابن الصحراء فانعكست بأسلوب أو بآخر على الجواد العربي فكان للجواد العربي نظامه وعرفه الاجتماعي الخاص به الأمر الذي ساعد على تحسين الأنسال بشكل مستمر والمحافظة عليها نظيفة من أي عيب أو شائبة ومثل على تلك الأمور هو امتناع صاحب الفحل أن يأخذ مالا مقابل تلقيح أفراس الغير حيث يتم الأمر من غير مقابل وإلا فإنها تسيء إلى حسن خلقه وكرم ضيافته وكانت هذه العادات السارية منذ الجاهلية ثم جاء الإسلام وأكد عليها فاستمرت إلى عهد قريب في جزيرة العرب وابن البادية في صحراء الجزيرة العربية يعتبر حصانه في منتهى الكمال ولا يمكن لأي دم غريب أن يضيف عليه صفات إيجابية بل العكس تماما إذ أن أي اختلاط ما مع سلالة غريبة تسبب انحطاطا في نوعية النتاج القادم فكنتيجة حتمية وكمحصلة لكثير من تلك الأمور كان للحصان العربي الأصيل أن يتميز بنبالته ورشاقته وألوانه الساحرة وتوازنه الطبيعي مع خلوه من عيوب القوائم وتحمله للظروف الصحراوية القاسية وسرعة البديهة والإخلاص لصاحبه واليقظة والتحفز الدائمين.

وقد ورد ذكر الخيل في أكثر من آية من آيات القرآن الكريم كلها ترفع من قدرها على غيرها من الحيوانات الأخرى كما أقسم بها الله تعالى: (والعاديات ضبحا) كما أشارت الآيات الكريمة إلى فضل الخيل وتكريمها وارتباطها بصفة الخير وعدها الله من أعظم مخلوقاته تكر وتفر تغدو وتروح ثم قرن عز وجل القوة بالخيل والخيل بالقوة قال تعالى: (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل)،

كما يأتي ذكر الخيل في أحاديث الرسول العربي الكريم مدحا وتكريما امتدادا لفضلها الذي أوردته الآيات الكريمة فقد جاء في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) وقال عليه الصلاة والسلام (علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل) ويروى أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان في غزواته يعطي الفارس سهمين والراجل سهما واحدا.

وانتشرت الخيل منذ أزمان غابرة في محافظة ظفار بشكل كبير مما أدى إلى انتساب اسم بعض ولايات محافظة ظفار إليها كمدينة مرباط التي أطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى مربط الفرس وقد كانت الخيل ترعى المنطقة الساحلية الواقعة بين منطقة المعمورة شرقا إلى ولاية مرباط غربا ومنها تنطلق صعودا إلى الجبال المتاخمة لها وقد اقتنى السلاطين والولاة الذين حكموا المدينة منذ زمن بعيد هذه الخيول واعتنوا بها كثيرا وكانوا يستخدموها في التنقلات إلى الجبال الشاهقة إضافة إلى علو الرفعة والشأن من خلال مواكبهم الفاخرة في مدينة صلالة،

إلا إن الأصول التاريخية ونسل هذه الخيول لا يوجد في أي من المزارع والإسطبلات الخاصة برعايتها حاليا كما أن التعريف بها علميا وإبرازها لا يزال يعاني بعض القصور حيث إن إعادة توطينها أمر يشغل الكثير من المهتمين وخاصة العاملين في الجوانب البيئية والمختصين في الحفاظ عليها لإعادتها إلى بيئتها الطبيعة وخاصة أنها تعد من أجمل الناقلات وهي التي تغنى بها العرب ووصفوها في كثير من أشعارهم وكانت لهم الرفيق والدليل والقوة والسلاح.

وكان من أسباب اختفاء الخيل من السفوح الجبلية التي تشع عليها خيوط الشمس صباحا لتمتزج بخيوط شعر تلك الخيول المطلقة العنان والتي لم تتمتع بالحرية كثيرا هي الأوضاع الصعبة التي لم تكن تعني بالاهتمام بها كثيرا بعكس العصر الزاهر الذي نشهده حاليا والذي تم به إعلان وزارة خاصة بالبيئة العمانية تعمل على الحفاظ على مختلف أنواع الحياة ومصادرها الطبيعية من مياه وهواء وغيره.

وتم احتجاز هذه الخيول بشكل ملحوظ من قبل الأهالي والسكان في تلك المناطق وبيعها إلى التجار المحليين والذين بدورهم قاموا بتصديرها دون وعي وإدراك منهم بتهديد انقراض هذا الحيوان الجميل من هذه المحافظة.

وتعتبر بيئة محافظة ظفار مناخا خصبا لحياة أنواع مختلفة من الحيوانات وتحتاج الخيول إلى إعادة توطينها بمشروع وطني يعيد تاريخا عريقا لهذا البلد الذي تديره حكمة فريدة تتمثل في قيادة جلالة السلطان واهتماماته وهناك سؤال حول إمكانية أن تكون هناك محمية طبيعية تربى فيها الخيول الأصيلة حتى تتكاثر وتتم حمايتها من الانقراض على غرار محمية جدة الحراسيس للمها العربي.

ولا بد أن نشير إلى أنه ليس الشباب العماني هم فقط من اثبتوا مدى فروسيتهم في السباق وركوب الخيل وتقديم أجمل العروض بل إن الشابات العمانيات كذلك اثبتن قدرتهن على القيام بدور الفروسية الحقيقية، فضلاً عن تمتعهن بقدر كبير من الجدارة والمهارة في تقديم أفضل العروض على صهوات الخيول.

وتعتبر المسابقات الحكومية، وأهمها المهرجان السلطاني السنوي، من بين أهم المحطات التي أظهرت فيها الفارسات العمانيات قدرتهن على نيل الثقة وكسب الذهب وبحسب تقرير لـ«سي إن إن عربي» تشهد عُمان العديد من الفعاليات المهمة المعبّرة عن الاهتمام برياضة الفروسية والتي يجيدها العُمانيون ويتدربون عليها جيلا بعد جيل حيث تمثل الفروسية وجهاً من وجوه التراث.