شريفة بنت علي التوبية –
عالم افتراضي كبير وواسع جداً يسرقنا من عالمنا الحقيقي، يصادر درباً كنا نسير عليها بوقع خطوات أقدامنا، لننزوي في زاوية مغلقة لا نرى فيها سوى عالم مختلف، أسماء كثيرة وصور أكثر ومساحات واسعة من الفراغ تحيط بنا، تأخذنا إليها من خلال شاشة نبث منها وبها أفكار يتيمة متعثرة في إحدى زوايا العقل او الذاكرة، حتى أصبح ارتباطنا بالهاتف أقوى من أي ارتباط آخر، عالم مختلف قد يبدو جميلاً منذ الوهلة الأولى فنقع في أسر هذا الجمال الظاهر أمامنا، حتى يسقط القناع الذي كان يتوارى خلفه عالم آخر مختلف، عالم لا يستطيع رؤية تفاصيل الحزن والفرح في وجوهنا، هذا العالم الجديد الذي ولجنا فيه لا يسعدنا كثيراً كما نظن ولا يمنحنا راحة القلب التي كنا نبحث عنها ولا طمأنينة النفس، لم نعد أكثر من اسم على شاشة، نكتب دون التفكير كثيراً بما سنكتبه، ما عاد الإبداع قضيتنا التي نؤكد عليها، الجميع يكتب والجميع يستعير الأفكار والكلمات، والجميع يسرق المشاعر أيضاً ليكتب من خلالها، وكل ذلك أشبه بفقاعة، سرعان ما تتلاشى أو تختفي بلمسة وكأنها لم تكن.
ومع هذه العزلة الاجتماعية الالكترونية، خُلقت أسماء ثقافية يشار لها بالبنان وليس لها علاقة بالثقافة في شيء، سوى ظهور مجاني على تلك المواقع، إلى درجة أن تدرك مدى الضحالة الثقافية التي يعانيها مجتمعنا العربي، قد تكون الكتابة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تساعد على سرعة الانتشار، ولكن لا تساعد على ايجاد وسط ثقافي حقيقي، فما ذلك إلا وهم ثقافي كشف لنا مدى الهزال الثقافي الذي تعيشه مجتمعاتنا العربية، فليس هناك ما يساعدك على النهوض قدر ما يجرك للأسفل، إنها علاقة ثقافية عقيمة، لا ينتظر منها ميلاداً حقيقياً، نختصر الوقت، نختصر المسافة، نختصر الفكرة، نختصر العاطفة والشعور فيبدو كل شيء مبتوراً وناقصاً، نسير على عجل وكأن الزمن جلاّد يسير خلفنا، وهذه المواقع الالكترونية تفرض عزلتها علينا، لنكون سجناء عالم ليس له علاقة بالواقع حتى لنكاد نعيش انفصالاً عاطفياً عن ما يحيط بنا، مع الزمن قد نتحول إلى كائنات آلية بمسمى انسان، في زمن ما عاد الإنسان يملك فيه أكثر من المسمى فقط.