أحمد بن سالم الفلاحي –
dreemlife11@yahoo.com –
تمثل العمليات التنموية التكاملية بين مختلف المؤسسات أهمية كبرى في الحفاظ على الصورة المثالية لتحقيق برامج التنمية، هذه البرامج التي تسعى كل مؤسسات الدولة إلى بسط سبل نجاحاتها، والوصول إلى غاياتها، لكي تؤدي المهام والمسؤوليات الملقاة على عاتقها، متكئة في تحقيق ذلك على كثير من عوامل الدعم والمساندة.
يأتي في مقدمتها القوى البشرية الوطنية، على وجه الخصوص، العاملة فيها، والمعوّل عليها كثيرا في تحقيق هذا الانجاز، وبصورة نوعية أيضا، وهي القوى التي تسعى الحكومة إلى تعزيز تدريبها، وتأهيلها، بما يحقق إنجاز هذه المهام والمسؤوليات كل في مجال اختصاصه في الحاضر ومسؤولياته، وبما يهيؤها لاستشراف افق المستقبل أيضا، وهذه الصورة العامة هي التي يشغلنا تحققها على وجه التنمية المباركة، ونرى في تحققها الصورة المثالية التي يجب أن تسود، وأن تعمل بكامل ثقلها على المشهد العام للتنمية في السلطنة بين جميع العملية الانتاجية في المؤسسات، على مستوى القطاعين الخاص والعام على حد سواء، فحالات التوافق هذه من شأنها أن ترسم صورة تصالحية مع مختلف القوى العاملة، وبالتالي الفوز بحالة رائعة من التعاون، والتآزر، والتوافق، والذي بدوره يفضي إلى الاستقرار المجتمعي، والرضا الوظيفي، والعيش بسلام في مجتمع مخضب أصلا بحالة السلام، والتوافق المادي والمعنوي، فصغر حجمه، وتماثل قيمه، وامتداد حضارته وتاريخه يقينا لن يسعد إلا بهذه الصورة التوافقية، والتكاملية في الأداء والنتائج على حد سواء، وهذا هو المأمول، وبالتالي عدم القبول بأي عامل آخر من شأنه أن يقوض هذه الصورة التي نتحدث عنها هنا، والمرتبطة بظرفيتها الزمنية على الأقل كما نأمل، فهذه المقدمة تشير إلى تناقل أحاديث، وإلى صور من المعايشة تعكس حالات من عدم التوافق في الأداء بين عدد من المؤسسات، وكأن هناك مجموعة من الجزر المتناثرة، وكل جزيرة تعمل بمفردها مغردة خارج السرب، حيث لا يوجد الكثير من التنسيق الكامل بين المؤسسات، وإن وجد ففي صور ضيقة جدا، وهذا من شأنه أن يوسع الهوة في التكامل في الأداء الذي نتحدث عنه، وغير مقبول أصلا.
إن ما نراه اليوم في تجارب الشعوب المختلفة من حالات الصدام الماثلة انعكاسا لاختلاف وجهات النظر من ناحية، وعدم وجود أرضية خصبة من الفهم الواعي لمعززات التنمية من ناحية، وتنافس القوى الفاعلة في المجتمع وتضارب مصالحها من ناحية ثانية، وعدم وضوح الرؤية للوصول إلى نقطة ما في تحقيق مستوى من التصالح التنموي المفضي إلى التصالح الإنساني من ناحية ثالثة، ربما هناك الظروف تختلف عن هنا لاعتبارات كثيرة، ليس هناك مكان للحديث عنها، لشيء يدمي القلب، ولا يدع للنفس أن تأمل في استشراف غد أفضل، ولكن أي فرد ذي ذرة من عقل لا يرضى بغير سيادة هذه الصور المتكاملة في العطاء، والمتآزرة في الوفاء، والمتقاربة في الرؤى، والمتناصرة في صد ما لم يتوافق مع هذه الصورة السلمية، ومن يناكف بخلاف ذلك فذلك مرجعه إلى نفس مريضة تحتاج إلى مصحة نفسية، ولا يجب أن يكون لها مكان وسط مجتمع مؤمن بهذا التكامل الجميل في حياته الاجتماعية، وهو المطالب أكثر في حياته العملية ايضا.
نقف عند هذا الفهم عندما نعيش مجموعة من الإخفاقات التي تعكسها عدد من نتائج الممارسة في بعض مؤسسات التنمية، وهذه الاخفاقات، يقينا، من يتعمد حدوثها ليس إلا غير واع للقانون المنظم في مؤسسته، لأنه أي نتاج بشري مهما بلغ الاجتهاد فيه إن لم يحكمه قانون ينظم العلاقة بينه وبين أي طرف معني بالعملية الإنتاجية سيكون جهدا قاصرا، وسوف يتحول من التنظيم الواضح إلى الاجتهاد البشري القاصر، الذي تدفع به مصالحه الشخصية إلى ارتكاب مجموعة من المخالفات تمثل ثغرة في قصور الأداء، وبالتالي قصور في أداء الخدمة، وثالثا: عدم تحقيق غاية الوصول إلى وجود برامج تنموية صادقة، وفاعلة، وصالحة في زمنها المحدد على أقل تقدير، وأخيرا: سيادة نوع من الهلامية والترهل، وهذا أمر لن يكون مستساغا في عصر تحكمه التقنية الحديثة، وتقوم وسائله على العلم والمعرفة المجردين من تجربة الخطأ والصواب.
هناك كثير من التجارب تحرص على تنشئة مفاهيم معينة في مختلف جوانب العمليات التنموية، لليقين أن هذه المفاهيم، أو الأدبيات من شأنها أن تلعب دورا أساسيا في تغيير بعض الرؤى التي تنحو نحو الممارسات الارتجالية، وذلك للنأي بهذه الممارسات عن تضارب المصالح من ناحية، وعدم وضوح مسارات برامج التنمية من ناحية أخرى، وحتى لا تحدث فجوة كبيرة بينها وبين الرأي العام، فعملية التنشئة هذه، وهي توجدها مجموعة القيم الإدارية في المؤسسة، وتأتي أيضا من خلال التدريب والتأهيل، وهي بالضرورة «تؤدي إلى تحول يتم من خلاله نشوء معتقدات، وقواعد، وأفكار مشتركة تؤثر في بناء المصالح، وهذا ما يؤدي الى اندماج الانظمة» للوصول الى صورة توافقية بين مختلف القوى الفاعلة على المشهد العام للتنمية، وأتصور أن هذا مسعى يحرص عليه واضعوالاستراتيجيات العامة في الحكومة، ومن هنا يتعاظم الدور على الاجهزة الفاعلة في العمليات التنموية، ويأتي في مقدمتها السلطات الثلاث: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، ويدخل المجلس الأعلى للتخطيط، كأحد الجهزة المهمة، في السلطة التنفيذية، لتقويم برامج مسارات التنمية المختلفة لدى جميع مؤسسات الدولة، فهو الجهاز الذي يعول عليه الكثير من الرؤى في هذا السياق خاصة في المرحلة القادمة، وهي المرحلة المهمة في هذا السياق نظرا لرقي برامج التنمية من حالة النشأة الأولى، إلى مرحلة التراكم، وإعادة الهيكلات، وتعزيز البنى الأساسية لمختلف الخدمات، وهي مرحلة على قدر كبير من التعقيد، يعمق من تعقيدها اتساع رقعة التنمية، والتمايز الديموغرافي انعكاسا للانفتاح الذي تعيشه السلطنة مع الآخر، بما في ذلك مجموعة التحولات الاجتماعية.
ومع ذلك يعول كثيرا على المسألة الإدارية في لثم أية ثغرة من شأنها أن تحدث انفراط إحدى حبات اللؤلؤ من العقد المنظم، فـ «الإدارة هي جزء من المجتمع الذي هو جزء من نظام أكبر هو العالم» كما يشير أحد التعريفات إلى ذلك، وهذا المفهوم يشير بما لا يدع مجالا للشك إلى أن مسألة التتابع والتكامل على أنها جزء لا يتجزأ من هذا الكون، فهناك – كما هي الطبيعة – ليل ويتبعه نهار، وهناك جهود تتبعها حالات من الرخاء، وهناك مشقة تفضي إلى سعادة، وهناك حالات تغص فيها النفس لتخرج أسارير سعيدة، وبالتالي إذا خرجت الصورة «الثنائية في حالتها التنموية فقط، التي نتحدث عنها» عن هذا التتابع الذي يؤول إلى صور إيجابية كما هو الواقع فإن هناك خللا ما يحدث، وبالتالي على من وضع له دور المراقبة والمتابعة ان يكون أمينا مع نفسه في الوصول إلى الخلل الذي تنتج عنه نتائج سلبية على غير ما هو متوقع.
لعل الصورة الماثلة للمقاربة عند الحديث عن هذا الموضوع، وهي الأقرب إلى المثالية، كما يروج لها البعض هي بعض الحالات في المجتمعات الكبيرة، فهي أكبر منا مساحات في الجغرافيا، وأكثر منا عددا في السكان، وأعقد منا إيديولوجيات وقيما وأعرافا، وأكثر تشابكا في الأعراق والجماعات والأقليات، ومع ذلك صورتها مستقيمة إلى حد كبير، وأفراد مجتمعاتها تشتكي من عدد قليل من الإخفاقات، ولكن لهذه الشكوى قانون ينظم تداعياتها، وإخفاقاتها، ويعيد إليها سيرتها الأولى، وهكذا تغدو المسألة في سياقاتها الطبيعية، ولا تخرج عن هذه السياقات مجتمعة إلا فئات صغيرة لا تكاد تشكل ظاهرة من عدم التوافق، وهذا ما يبعث على الاطمئنان لدى أبناء وأفراد هذه المجتمعات، في الوقت الذي نحتكم فيه نحن أبناء هذه الجغرافيا إلى كثير من القيم الدينية، والإنسانية، وتسلسل طويل من موروثات القيم المعتقة، وبالتالي في ظل هذا الفهم لا أتصور أننا كمجتمعات صغيرة لا نستطيع أن نصل إلى هذه الصورة القريبة إلى المثالية قياسا بقلة عددنا، وبوجود هذا التراكم الكبير من هذه المحفزات كلها، ولكن، على ما يبدو أن مشكلتنا الكبرى هي حالة النقص بالإيمان القاطع بقدرتنا على استيعاب مجموعة العوامل الداعمة للوصول إلى هذه الصورة التوافقية، وفي مقدمة ذلك إيماننا بأهمية تطبيق القانون، وبإيماننا بالنزعة الشمولية في المصلحة العامة، وبإيماننا بضرورة انتزاع أنفسنا من ترديات المصالح الذاتية التي لا تزال تكبلنا في اليوم ألف مرة، صحيح أننا في النهاية بشر، وهذه البشرية لا يقيِّم استقامتها إلا القانون، أما الاتكاء على القيم، وحدها لا يكفي، لنزوع الإنسان الدائم نحو الذاتية، وتحقيق مصالحه الخاصة أولا على حساب المصلحة العامة، وهذا ليس جديدا على البشرية كلها في أي بقعة جغرافية، والفرق الوحيد الذي بيننا وبين الآخر الذي نضرب به المثل هو تطبيق القانون فقط.