مصطفى أمين – هل كان جاسوساً للأمريكيين أم وسيط عبد الناصر ؟

القاهرة: إميل أمين –

بإهداء رقيق من صفية مصطفى أمين، التهمت عيناي كلمات وسطور الكتاب الذي صدر عن والدها عملاق الصحافة المصرية، مصطفي أمين، والذي سعيت في طلبه بحثاً عن الحقيقة الغائبة.كان من المفترض أن أحمل اسم مصطفى أو علي، لكن حالة الانسداد الدوجمائي في صعيد مصر في ستينات القرن المنصرم، حالت دون ذلك رغم الحب الكبير الذي كان والدي يكنه للعملاقي التوأم. على أن العلاقة مع الأستاذ الكبير بدأت بشكل شخصي في ثمانينات القرن العشرين، عندما تشرفت بتسلم كتابه: «سنة أولى سجن»، بإهداء تشرفت به بخط يده رحمه الله، وقد كانت سطور الكتاب نوعا من أنواع الدراما الإنسانية المحزنة، وبات السؤال متى يرد لهذا الرجل الطيب القلب حقه وكرامته التي أهدرت؟تؤكد الأستاذة صفية على أن الكتاب الذي أعده وأخرجه إلى النور الأستاذ أحمد عطية صالح، هو شهادة للتاريخ وأنها تترك للقارئ في نهاية الأمر الحكم على ما فيه، واستنتاج الحقيقة بإدراك ووعي شخصيين ودون مؤثرات خارجية، لا سيما وأن الرجل الذي رسم البسمة على شفاه الناس لاسيما فقراءهم قد رحل عن دنيانا منذ سبعة عشر عاما.

لقد أثار مصطفى أمين الجدل في حياته، واختلفت حوله الآراء بين مؤيد محب له، ومعارض… طاردته الشائعات والاتهامات وتركزت حول ثلاث قضايا.

الأولى: علاقته بالملك السابق فاروق الأول ملك مصر والسودان… وهل كان القصر الملكي يدفع أموالا لمصطفى أمين مقابل الهجوم الدائم على حزب الوفد وزعيمه مصطفى النحاس باشا الذي كان يحظى بشعبية كبيرة في الشارع المصري إلى درجة أنه قيل لو رشح الوفد في الانتخابات أية انتخابات لانتخبه المصريون ؟

والثانية: من بنى دار أخبار اليوم ؟ بمعنى آخر ما هي مصادر تمويل أخبار اليوم.. وكيف لشابين في الثلاثين من عمرهما أي مصطفى وأخيه علي أن يقوما ببناء دار صحفية عالمية هي الأولى من نوعها في ذلك الوقت في الشرق الأوسط اسمها أخبار اليوم ؟

أما الثالثة : علاقته بالأمريكيين، وفي تقديري أن هذه الجزئية تحديداً تتصل بأمرين غاية في الأهمية الأول يدور حول مسألة دعم الصحيفة من قبل الحكومات الأمريكية، والثاني علاقة مصطفى أمين برجل المخابرات الأمريكية «بروس ريدل» التي كانت السبب في سجنه تسعة أعوام.

ولعل أوقع وأفعل ما في صفحات الكتاب أنه يفند هذه الاتهامات، حتى تنجلي المظلومية التاريخية التي لاحقت علامة في حياة الصحافة المصرية، ما كان لها أن تذوق الذل والهوان على النحو الذي ذاقه.

هل كان مصطفى أمين جاسوس للأمريكيين أم حلقة وصل بينهم وبين عبد الناصر منذ قيام الثورة، لاسيما وأن لديه خبرة ورؤية جيدة عن الحياة السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات دراساته لماجستير العلوم السياسية في جامعة جورج تاون، أشهر جامعات الرهبنة اليسوعية الكاثوليكية في الولايات المتحدة الأمريكية؟

تحمل صفحات الكتاب شهادة لصورة من مذكرات الوزير البريطاني «أنتوني ناتنج» وكيف أن عبد الناصر ظل لسنوات طويلة يكلف مصطفى أمين بالاتصال بالأمريكيين، كأسلوب للدبلوماسية غير المباشر، ويبدو أن عبد الناصر بحسب مذكرات «ناتنج» الصادرة عام 1985 قرر التخلي عن الأمريكيين كلية، فمن المحتمل أنه رأى من الضروري أن يتنكر لصديقه السابق وبهذا يحيط الولايات المتحدة علما أنه قطع الروابط القديمة.

يفتح الكتاب حواراً واسعاً حول ما جرى، وبالقطع سيثير الكثير من النقاشات المحمومة بين مؤيد ومعارض لموقف ما، مع أو ضد، لاسيما وأن تبرئة اسم مصطفى أمين أمر يرتبط بتوجيه اتهامات بعينها للفترة الناصرية، وما شابها من أخطاء.

ويبقى التساؤل محل البحث هل من فائدة لهذا الإصدار في هذا التوقيت والذي تعيد فيه النخبة المصرية ترتيب أوراقها بشكل أو بآخر بعد ثورتين وآمال ومطامح إلى الأفضل؟ ربما في هذا الكتاب نوع من أنواع مكر التاريخ الذي يحدثنا عنها الفيلسوف الألماني الكبير هيجل، بمعنى أن التاريخ يعود خطوة للوراء حتى يقدر له أن يقفز خطوات للأمام، وكثيرا ما يتحتم عليه أن يتقيأ ما جوفه من آثار الماضي، لتهضم الأجيال القادمة، حقائق ناصعة شفافة لا لبس فيها ولا تدليس ولا التواء، وربما هذا ما تحتاجه مصر اليوم في كثير من مناحي حياتها تحتاج بروسترويكا وجلاسنوست بطعم ومذاق مصريين لا روسيين كما الحال عند جورباتشوف سابقا.