حتى لا يكون المستشفى أحد ضحايا الكوارث !

د. محمود بن ناصر الرحبي – استشاري أول طب الطوارئ –

dralrahbi@gmail.com –

تُعتبر المستشفيات من مرافق التنمية الاجتماعية الحيوية وذات الأهمية القصوى لتقديمها الخدمات الصحية المتعددة لكافة المواطنين والمقيمين على حدٍ سواء ، وتنبع أهميتها من تعدد أدوارها فهي ليست مجرد مكان لإسعاف المرضى فحسب ، بل مركز لخدمات صحية حيوية مثل المختبرات وبنوك الدم ومراكز التأهيل الطبي والصيدليات والعيادات التخصصية ، وتسهم في منح المجتمعات إحساساً بالأمن والمعافاة. ويتطلب إنشاؤها وتشغيلها موارد مالية وبشرية وتقنية متخصصة عالية لتكفل تلبية هذه الرعاية الصحية المتميزة ، وتشييد أي مستشفى يستلزم تخطيطاً حديثاً يتماشى مع الأساليب العلمية المتطورة والمدروسة التي تضمن تقديم رعاية صحية على مستوى عالٍ للمجتمع بأقل التكاليف الممكنة. ويتطلب تصميم المستشفيات وبناؤها وتهيئتها لاستقبال المرضى وتشغيلها مواصفات خاصة ومقاييس معينة ولهذا أوضحت منظمة الصحة العالمية في أحد تقاريرها الفنية، أن تخطيط المستشفيات عبارة عن عملية تتميز بطابعٍ فني معقد ولهذا أوصت أن يضم فريق التخطيط خبراء في إدارة الخدمات الصحية وفي الأعمال الإكلينيكية والتمريض إضافة إلى مهندسين ومعماريين لهم خبرة في تصميم المستشفيات والتخطيط المدني ، حيث يتم تحديد موقع إنشاء المستشفى بعد عمل الدراسة الهندسية والطبوغرافية للمواقع المقترحة لبناء المستشفى ، ويستحسن أن يكون المبنى مرتفعاً عن سطح الأرض لتأمين التصريف الطبيعي لمياه الأمطار والسيول وكذلك إجراء فحص للتربة ، ويجب أن يتوفر للموقع المزمع تشييد المستشفى فيه جميع الخدمات العامة اللازمة لعملياته التشغيلية مثل المياه وشبكات تصريف المجاري والكهرباء وخطوط الهاتف والاتصالات السلكية وشبكة طرق جيدة وخلافه من الخدمات.

كل ذلك مبني وفق مقاييس ومستويات من المتانة والتجهيزات التي تقوي قدرتها على الاستمرار والديمومة في أداء مهامها خلال الكوارث -لا قدر الله -، وكذلك تنفيذ إجراءات من شأنها تقوية المستشفيات والمنشآت الصحية القائمة ولاسيَّما التي تقدم خدمات الرعاية الصحية الأولية.

كل تلك الدراسات والمخططات والمعايير والمقاييس التي تتبع عند تصميم وإنشاء المستشفيات ، تنصب جميعها لمواجهة خطر الكوارث التي قد تحدث بين الحين والآخر ومن الصعب منع حدوثها ولكن الوقاية خيرٌ من العلاج ، فالكوارث الطبيعية واقعٌ لا يمكن إيقافه أو منعه أو تغيـيره. والخسائر التي تخلفها أفظع من أن يتم احتواؤها كالخسائر البشرية والمادية.

ولقد كانت الكوارث الأخيرة التي شهدها العالم مناسبة لتنبيه السلطات إلى أهمية تعزيز كفاءة ومتانة منشآتها الصحية ، فمثلاً أدى زلزال بام عام 2003 إلى دمار مستشفيين بالمدينة ، لكنه لم ينل من هيكل أحد المستشفيات التي كانت تحت الإنشاء في ذلك الوقت ، ولم يكن مؤكداً إذا كان نوع الحديد المستخدم هو الذي أنقذ الهيكل الجديد من الزلزال ، لكن دراسة تخطيط المبنى أدت إلى القيام بتعزيزات مؤثرة ولم يعرف على وجه الدقة كلفة هذه التعزيزات، لكنها بكل تأكيد أقل من كلفة تبعات سقوط مستشفى أثناء كارثة طبيعية وهو ما يؤكد الجدوى الاقتصادية لتأمين متانة المستشفيات وقدرتها على تحمل الكوارث الطبيعية.

فمن الضروري على من بأيديهم زمام الأمور بعد وقوع الكارثة وتأثر المنشأة الصحية تأثرا كبيرا أن تكون هناك دراسات مكثفة حول ماهية الكارثة ، والأسباب التي أدت لتأثر المنشأة بها ووضع الحلول الجذرية والحقيقية والفاعلة لتفادي وقوع وتكرار التأثر المباشر، وهذا ما شهده مستشفى النهضة للمرة الثانية على التوالي عاقدين جل آمالنا في عدم تكرار ما حدث في ظل القيادة الحكيمة لحكومتنا.