ديفيد باتريكاراكوس -
ترجمة قاسم مكي -
نيويورك تايمز -
تسبب الاتفاق النووي الأخير مع إيران في ضجة متوقعة وسط الصقور الشرق أوسطيين. ولكنه يقدم فرصة للوصول إلى اختراق أكبر منه بكثير. أي لتقارب بل وحتى تعاون استراتيجي مع إيران في آخر المطاف. إن التحالفات الدولية تتحوَّر وتتحول.
والعلاقات تجمد وتدفأ. وفي الثلاثين عاما الأخيرة ظلت العلاقات الأمريكية ـــ الإيرانية عالقة في دائرة من الارتياب وعدم الثقة مما أضر بكلا البلدين. وعلى أمريكا الآن التفكير حول إعادة ترتيبٍ تدريجي لسياستها في الشرق الأوسط وإحلالها بسياسة تهدف إلى إعادة إيران للحظيرة الدولية وتحويل عدو- بمرور الوقت- إلى حليف. ولن يكون ذلك سهلا. ولكنه في الأجل الطويل، سيفيد الولايات المتحدة وإسرائيل والشعب الإيراني.
والفوائد عديدة. فإيران التي تقع بين بحر قزوين والخليج يمكنها تقييد قدرة الصين على الحصول على موارد طاقة حيوية والقيام بدور الحاجز ضد روسيا الشرسة دائما. كما تؤثر إيران أيضا على الأحداث في لبنان من خلال روابطها مع حزب الله وفي إسرائيل والأراضي الفلسطينية عبر علاقاتها بحماس. ولن يكون هنالك حل للحرب الأهلية في سوريا بدونها. وتتخذ إيران في الوقت الحاضر موقفا معارضا للولايات المتحدة في كل هذه النزاعات. إن ذلك (الموقف الإيراني) يعود في غالبه الى العداء التاريخي مع واشنطن وليس فقط إلى العداوة الإيديولوجية لوحدها.
وتستخدم إيران حزب الله لخدمة مصالحها الإقليمية وتنتقد إسرائيل من أجل كسب التأييد العربي الشعبي وليس بسبب التزامٍ حقيقي بالقضية. وفي حين أنها أكثر إخلاصا في مساندتها للرئيس بشار الأسد إلا أن تصرفاتها السابقة توحي بأنها ربما تكون مستعدة للوصول إلى تسوية. ففي عام 2003 اتصلت إيران التي كانت تخشى من عمل عسكري أمريكي بالمسؤولين الأمريكيين عبر وساطة سويسرية. وعرضت طرح كل شيء على طاولة الحوار بما في ذلك مساندتها لحماس وحزب الله. وقد أحاط الجدلُ بالعرضِ الذي رفضته واشنطن في النهاية. ولكنه كشف عن أن إيران كانت راغبة في استخدام مساندتها للمسلحين كورقة مساومة. ولدى الولايات المتحدة وإيران عدة مصالح متداخلة. فالبلدان اللذان يشتركان في كراهية طالبان تعاونا في حرب عام 2001 في أفغانستان. واليوم فإنهما كلاهما يعارضان القاعدة. ويمكن أن تساعد إيران بالمعلومات الاستخبارية وبمعرفتها بالمنطقة في مواجهة القاعدة. ومن الواضح أن إيران ستستفيد من دفء العلاقات. لقد عانت منذ سنوات حربها مع العراق في الفترة 1980– 1988 وحتى العقوبات الحالية. وهي تحتاج إلى الاستثمار في قطاعيها النفطي والمالي وإلى خبرة أجنبية لتنمية اقتصادها. ولكن هذه الأشياء مستحيلة بدون إصلاح علاقتها مع الولايات المتحدة.
ومن السهل نسيان أن البلدين كانا حليفين يوما ما. ففي أعوام السبعينات شكلت السعودية وإيران “الدعامتين التوأمتين” لاستراتيجية ريتشارد نيكسون في مواجهة النفوذ السوفييتي في المنطقة. ويأتي جزء من عدم شعبية أمريكا في إيران من مساندتها للشاه السابق محمد رضا بهلوي قبل إطاحته في ثورة 1979. ولكن إعادة ترتيب (العلاقة) اليوم استنادا على تطابقٍ جديدٍ للمصالح ستكون مسألة مختلفة.
إن التحول إلى شريك من نوع ما مع عضو من “محور الشر” سينطوي على مشقة غير معتادة بالنسبة لأمريكا. فأولا سيكون وقْعُ ذلك رهيبا على بعض دول الخليج، ولكن معارضة تلك الدول ليست بذلك القدر من الأهمية هذه الأيام. لقد بنت الولايات المتحدة روابطها مع بعض دول الخليج على حاجة للنفط لم تعد توجد بنفس الدرجة. فالعلاقة غير حقيقية وفي غير أوانها.
لقد جعلت تقنية الحفر الهيدرولكي الجديدة أمريكا أكبر منتج للهيدروكربونات وللصادرات من غير بلدان الأوبك في العالم. ذلك في حين تتزايد وفرة الموارد الكندية والجنوب أمريكية والإفريقية. ولايزال السعوديون- على سبيل المثال- يؤثرون على أسواق النفط. ولكن لن يكون بمقدورهم إحداث صدمة في الاقتصاد العالمي كما كانوا قد فعلوا عبر المقاطعة النفطية في 1973. وإسرائيل مثل بعض دول الخليج تعترض بشراسة على الاتفاق النووي. ولكن ذلك قصر نظر (منها). فالوفاق بين إيران وأمريكا يمكن أن يكون طيبا بالنسبة لإسرائيل في الأجل الطويل. فهما كانتا حليفتين قبل عام 1979. وعلى الرغم من أن إيران تساند حزب الله وحماس إلا أن جيشها لم يشارك أبدا في الحروب العربية العديدة ضد إسرائيل. لقد ساندت إسرائيل بشدة الجمهورية الإسلامية في واشنطن حتى بعد إسقاط الشاه وأزمة الرهائن التي أعقبته. بل إن إسرائيل في مسعى منها للحفاظ على صداقة إيران وسط بحر من الدول العربية المعادية ساعدت إيران في حربها ضد العراق. ومهما كان عدد معاهدات السلام التي توقع مع القادة العرب، فإن إيران لوحدها فقط هي التي اثبتت أنها يمكنها العمل مع إسرائيل.
إلى ذلك، فلايمكن احتواء إيران إلى الأبد. ومن الأفضل جدا للبلدين أن يتصالحا على أساس المصالح المشتركة. إن إسرائيل لا تزال منتهكة لحقوق الإنسان وراعية للإرهاب. ولكن ثلاثين عاما من العقوبات والصمت لم تؤد إلى تلطيف سلوكها. وبالمقابل فإن التعامل مع إيران يعزز من موقف معتدليها. لقد كان إطلاق السجناء السياسيين واحدا من أولى أعمال حسن روحاني بعد توليه الرئاسة.
وألمح إلى أن المزيد من التنازلات قد تتلو ذلك إذا تحسنت العلاقات. إن الشعب الإيراني هو أثمن رصيد للغرب. لقد ظلت الحكومات الشيوعية في حالة عداء للغرب اثناء الحرب الباردة. ولكن شعوبها التي كانت ترنو إلى الحريات الغربية ساهمت في سقوط تلك الأنظمة. ويرنو الإيرانيون إلى تلك الحريات أيضا.
فإيران لديها تقاليد دستورية قوية تمتد إلى أكثر من مائة عام. ومواطنوها متعاطفون مع الديمقراطية على الطريقة الغربية. ويعرفون أن حياتهم ستشهد تحسنا كبيرا بالوفاق مع الغرب. وذلك هو سبب تصويتهم بأعداد كبيرة لروحاني في وقت مبكر هذا العام وللإصلاحي حسين موسوي قبل أربعة اعوام.
إن الوفاق لن يحدث بين ليلة وضحاها. فجزء كبير من مؤسسة رجال الدين في إيران يعادي أمريكا بالفطرة. ولايزال اليمين الأمريكي معاديا لأي تقارب مع إيران.
لقد أثبت أوباما وروحاني كلاهما أنهما يمكنهما تجاوز المتشددين في بلديهما وعقد اتفاق. إن الشرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين مكانٌ جديد وخطر. ومن أجل قيادة هذه المنطقة إلى مستقبل أفضل على واشنطن التواؤم وترك العداوات وراء ظهرها.
* الكاتب صحفي وزميل مشارك بمعهد الدراسات الإيرانية بجامعة سانت أندرو ومؤلف كتاب بعنوان “إيران النووية: مولد دولة ذرية.”