بالرغم من أن الحكومة والسلطات اللبنانية حرصت على مدى السنوات الثلاث الأخيرة على اتخاذ كل السبل من أجل عدم التورط على أي نحو في التطورات السورية، وذلك إدراكا من مختلف القوى السياسية لحقيقة ان لبنان دولة ومجتمعا وشعبا يرتبط ويتأثر بدرجة عالية بما يحدث في جارته سوريا، إلا أنه يبدو ان لبنان يتم دفعه – رغما عنه بالتأكيد – إلى الوقوع في دائرة الحرب التي يتسع نطاقها للأسف على حدوده، بكل ما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج وتبعات قد تطال كل شيء على الساحة اللبنانية.
ومع الوضع في الاعتبار طبيعة التركيبة السياسية والاجتماعية والطائفية اللبنانية، وما تتمتع به هذه التركيبة من قدرة على التعايش السلمي في البوتقة اللبنانية، وهو ما تحرص عليه مختلف القوى اللبنانية، إلا أن هناك بعض الأطراف، أو المنتفعين الذين يريدون الدفع بالدولة والوطن اللبناني إلى اتون الحرب الدائرة على حدوده، وهو ما من شأنه خلط الأوراق بشكل أكبر، وتوسيع دائرة التهديد لتشمل الساحة اللبنانية، برغم أن هذه الساحة يمكن أن تتضرر بشدة اذا امتدت إليها الحرب المستعرة في سوريا على مدى السنوات الثلاث الماضية، وهي الحرب التي تزداد استقطابا وخطورة إلى حد كبير.
نعم حرصت الحكومة اللبنانية، وبشكل رسمي وفعلي على إعلان ما أسمته بسياسة النأي اللبناني عما يجري في سوريا، والالتزام بهذه السياسة على مختلف المستويات، وذلك إدراكا منها للمخاطر التي يمكن أن يتعرض لها لبنان بفعل الانجرار – بشكل أو بآخر – إلى المواجهات المسلحة على حدوده، غير أن قوى سياسية وطائفية تورطت، وبشكل واضح ومعلن أيضا في القتال في سوريا، وذلك من منطلقات وبمبررات مختلفة، ومع وجود واستمرار معارضة واضحة وقوية من جانب العديد من القوى السياسية والطائفية اللبنانية لأي تورط في الحرب السورية، فضلا عن محاولات نجيب ميقاتي رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان، العمل بكل السبل لاحتواء وتطويق وانهاء كل محاولات الدفع بلبنان للوقوع في دائرة الاستقطاب والمواجهات السورية، إلا أنه من الملاحظ أن الاشتباكات وأعمال العنف التي تشهدها مدينة طرابلس القريبة من الحدود السورية، والتي تضم قوى مؤيدة ومعارضة للسلطات السورية، قد تزايدت وتعددت وارتفعت أعداد ضحايا الاشتباكات بين درب التبانة وجبل محسن، وهو ما يضع لبنان أمام مخاطر أكبر مما قد يتوقعه كثيرون.
ومع التأكيد على أهمية وضرورة تعاون كل الأطراف والقوى السياسية والطائفية اللبنانية من أجل الحيلولة دون وقوع لبنان في دائرة المواجهات السورية، وهو ما يحتاج أيضا لمساندة عربية، خاصة من جانب دول الخليج لأنها القادرة على الإسهام بذلك في الظروف العربية الراهنة، فان دعم حكومة ميقاتي في هذه الظروف الدقيقة، وتمكينها، سياسيا وماليا أيضا من تحمل اعباء استمرار الحرب في سوريا وتدفق مئات آلاف اللاجئين السوريين إلى الأراضى اللبنانية، هو أمر شديد الأهمية، خاصة وان ازدياد المشكلات الاقتصادية في لبنان يجعله عرضة لمزيد من القابلية للتورط والانجرار إلى مواجهات سبق ان اكتوى بنارها لسنوات طويلة.