من شرفة التاريخ العثماني يعود الروائي التركي أوقاي ترياقي أوغلو ليستكمل ثلاثيته التي بدأها بـ”القانوني” و”السلطان” برواية جديدة تحمل عنوان “سليمان” الصادرة عن الدار العربية للعلوم (ناشرون).
تقع الرواية في 336 صفحة من القطع المتوسط ويجسد من خلالها أوقاي الجانب الخفي من تاريخ السلطان العثماني ومساعده في هذا الأمر هو مؤسس تنظيم المخابرات في تلك الفترة المسمى “الهلال الفولاذي”، الجاسوس الأسطوري في أكثر أيام تاريخ العثمانيين بريقاً، مع قناعة تامة بأن ظلال ذكراه ستبقى على مدى عصور.
يعتبر هذا الرجل الغريب قبضة سليمان خان الحديدية داخل قفازه المخملي، وكان قد أسس الهلال الفولاذي في عهد السلطان سليم خان الجبار، وكسب شهرته الحقيقية في عهد السلطان سليمان القانوني بدعمه لمارتن لوثر مؤسس البروتستانتية، ووقوفه خلف الكفاح الذي خيض في مآوي الغرب.
لقد كان وهيمي أورهون جلبي في الوقت نفسه مراقباً جيداً لسليمان خان. لا يمكن إلا لرجل مثله أن يكون بارد الأعصاب، لقد كان شجاعاً ومغامراً من الدرجة الأولى، يمد رأسه من كل زاوية، ولا يرحم عدوه، ولم يكن لهذا الرجل المخيف أحد قريب منه خلال حياته، ويدب الرعب بمن يسمع بإسمه، أو حتى ممن يُعرف أنه مرْ قربه، حتى عندما سيق للإعدام، بقي ذئباً صامتاً «سمعت وهيمي يقول: «يا باشا»؟.. كنت على مبعدة بضع خطوات منه. «هناك من ينتظر مني أن أتوسل من أجل حياتي.. قل لهم إنني لم أتوسل بتاتاً، ولا أتوسل… هكذا أفضل… هكذا أفضل…»
كيف سقطت تهمة اغتيال حاكم العالم سليمان خان عنه؟ وكيف ثبتت جريمة السيد محمد شاه قاضي دار السعادة عليه وصدر حكم الإعدام بحقه؟ وهل صحيح أن جريمته باغتيال السلطانة حُرّم ثاتبة؟ ولماذا لم يكن ليسأل أي سؤال عن تلك الواقعة الأليمة التي أغلقت منذ زمن طويل لولا اعترافه بها؟
بهذا الخطاب يقدم أوقاي ترياقي أوغلو شخصية روائية تاريخية وحقيقية، ويرصد مرحلة تاريخية هامة كان لها تأثيرها في رسم مصائر بلاد كثيرة، ولئن استطاع أن يقارب تلك الأحداث مقاربة فنية هي مزيج بين الحقيقة والخيال، وأن يعيد تشكيل المادة الخام التي استخرجها من المنجم العثماني على شكل أثر روائي، فإنه أحسن إلى الرواية من دون أن يتنكر للتاريخ.