أتعبتنا أجسامنا

ahmed al falahi

أحمد بن سالم الفلاحي -

من الأخبار التي لفتت انتباهي خلال الأسبوع الماضي، خبر نشرته وكالة الأنباء العمانية، وتحديدا في الثاني عشر من الشهر الجاري، يقول نص الخبر: “كشف علماء من جامعة تومسك التقنية الروسية في سيبيريا أنهم تمكنوا من إيجاد مفاعلات حيوية قد تساعد في إنماء الأنسجة البشرية، وهم على قناعة بأن المتخصصين سيتمكنون بحلول نهاية القرن من إنماء الأعضاء البشرية مثل القلب والرئتين والكبد، أما الآن، فلا يمكن إنماء إلا الجلد بواسطة الهندسة النسيجية والخلايا الجذعية للمصابين بالحروق، ولتحقيق هذه الخطط الواعدة، سيتم أخذ دم الحبل السري باعتباره الأغنى بالخلايا الجذعية وتجميده وحفظه، ويجوز القيام بذلك اليوم بموافقة الوالدين ومقابل مبلغ محدد، وقد يتيح ذلك في المستقبل إنماء أطراف وأعضاء، مما سيسمح بتحسين جودة الحياة”.


وأنا أقرأ هذا الخبر، كنت أستحضر قول الفيلسوف العقاد: صغير ود لو كبر، وكبير ود لو صغر، وخال يطلب عملا، وذو عمل به ضجرا”، إلى آخر هذه الأبيات التي تؤكد حقيقة النفس البشرية في عدم قدرتها العيش على مساق واحد، وعدم صبرها على صورة فردية لتكون عنوان حياتها الدائمة.

ويبدو أن الخوف من الشيب، والهرم، هم مشترك عند البشر كلهم على اختلاف أجناسهم، وألوانهم، ولنا في قول – الخليفة العباسي المستعبد بالله، كما يروى، -: “تعيرني بالشيب وهو وقار؛ ليتها عيرت بما هو عار، إن تكن شابت الذوائب مني؛ فالليالي تنيرها الأقمار”، والتي غناها الفنان العراقي الراحل ناظم الغزالي، ابلغ الأثر في قلق الإنسان من هذا المارد المخيف، وهو الشيب، واعتلال الجسد، وتكور الأعضاء، وانزلاقاتها للداخل الجسدي، حيث تتماهى كل التفاصيل النافرة في مراحل الصبا والشباب، وتعود خائرة مع خريف العمر، فتودع التفاصيل الجسدية هذا الجسد الذي استعمرته طويلا، حيث تعود إلى البدايات الأولى للعمر، والمفارقة بين الزمنين، إنه في سنوات العمر الأولى تتنافس هذه التفاصيل للخروج من مكمنها إلى الخارج، فتبرز الفتوة والجمال، النضارة والشباب، أما في المرحلة الثانية تنزوي بعيدا (ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا)، كما جاء في سورة الحج، و(الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة) كما جاء في سورة الروم، ولكن مع التسليم لهذه الحقائق الصادمة لرغبات الإنسان، وتطلعه الدائم نحو حياة أزلية ودائمة لا يزال هذا الإنسان يبحث له عن موطئ قدم لبقاء حياة أطول، والمحافظة على نضارة أكثر، من خلال بقاء كافة أجهزة الجسم فاعلة، وناطقة بجميع اللغات الصحية، وينسى الإنسان في ظل حمى البقاء أن سنن الكون لن تتغير، وتناسخ الأجيال ستستمر، ولا يمكن في أي حال من الأحوال تسيد أجيال بعينها على المشهد الإنساني، لأنه مهما يتم من محاولات في “إنماء الأنسجة البشرية” لن يغير من مدد مكوثها في الحياة شيئا، والمحاولات الخجولة التي تتم من خلال ترميم “الخلايا الجذعية للمصابين بالحروق” هي محاولات نجاحها مرتبط بالكثير من الظروف الملائمة.

لقد روج في منتصف الثمانينات من القرن الماضي لموضوع الاستنساخ، وسما أفق التفاؤل إلى حد بعيد، وما هي إلا حالة فورية خمدت نارها، وكأنه يسجل اليوم في قائمة الذكرى، هذا هو حال البشرية الساعية أبدا نحو الخلود.