عالم وكتاب: عمر المعقدي من الفقهاء المتمكنين صاحب كتاب «الصلاة والصلة»

إدريس بن بابه باحامد القراري -

هو العالم الشيخ عمر بن علي بن عمر بن علي، أبو سعيد المعقدي الوبلي الرستاقي، من علماء النصف الثاني من القرن السادس الهجري والثاني عشر الميلادي، من الفقهاء المتمكنين والعلماء المقتدرين، أصله من بلدة وبل، التابعة للرستاق، ويعد من المؤلفين المجيدين من خلال ما تركه من تراث علمي مهم أثرى به المكتبة الإسلامية عمومًا والإباضية خصوصًا، عاصر من العلماء الشيخ عبد الله بن محمد السموئلي (توفي: 589 هجرية)، والشيخ عُدي بن يزيد البهلوي وهو صاحب شرح القصيدة الحلوانية المشهورة، ومالك بن عبدالله الغضفاني، ومعمر بن أبي المعالي.

(عنوان):[المعقدي من العلماء البارعين والمؤلفين الجادين المبدعين في عصره]

للشيخ المعقدي مؤلفات عديدة لعل كثيرًا منها ضاع، ومن ذلك (منثورة المعقدي التي لم أجد لها ذكرًا في سجل مخطوطات مكتبة السيد، إضافة إلى كتابه زهرة الأدب)، ولعل كتاب منثورة المعقدي هي نفسها كتاب الصلاة والصلاة، ذلك لأن من طبيعة المنثورة ذكر مسائل عديدة من علوم مختلفة، وهو ما لاحظته في كتاب الصلاة والصلة، وهذا مجرد احتمال ورأي.

أما كتابه المشهور (الصلاة والصلة) فقد وجدت منه نسخة في مكتبة السيد، وهي ما عليه مدار الحديث اليوم بحول الله تعالى، مع الأخذ بعين الاعتبار الإشكال الحاصل في الكتاب هل هو جزء واحد أم عدّة أجزاء ضاع بعضها، وهي عبارة عن كتاب فقهي فيه من العقيدة وعلم الكلام شيء يسير وعن الصلاة والإخلاص، وبعض من المواعظ وسيأتي ذكر هذا بتفصيل بحول الله تعالى. (للمزيد عن شخصية الشيخ ينظر: سيف بن حمود البطاشي، إتحاف الأعيان، ج 1، ص 475، 476. ناصر والشيباني، معجم الأعلام، ص 326. فهد السعدي، معجم الفقهاء والمتكلمين الإباضية قسم المشرق ج2، ص 382).

كتاب: الصلاة والصلة، رقم: (907)


من الكنوز النادرة


يقع هذا المخطوط ضمن مخطوطات خزانة حرف الصاد في مكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي، تحت رقم: (907)، مجموع صفحاته (222 صفحة)، من الحجم المتوسط مقياس الصفحة الواحدة من المخطوط؛ 23 سم طولاً و19 سم عرضًا، تحمل كل صفحة (20) عشرين سطرا، وهو الغالب على المخطوط.

خط المخطوط بخط النسخ المشرقي الرائع، فقد بذل فيه ناسخه جهدًا معتبرًا لإخراجه بذلك الخط الجميل، مستعملا في ذلك لونين اثنين الأسود والأحمر الداكن، مخصصًا الأحمر لعناوين الأبواب والمسائل، وبعض الألفاظ القليلة، أما الأسود فلم يختلف عن بقية النساخ الذين استعملوا نفس اللون حيث خثثه لبقية المادة العلمية داخل المخطوط.

نسخ المخطوط الشيخ سعيد بن عبد الله بن سالم النزوي، للشيخ عبدالله بن محمد بن عامر بن خنبش السمدي النزوي، وذلك بتاريخ: 1078هجرية.


خرم واضح لا يؤثر على محتواه غالبًا


ما يلاحظ على المخطوط أن به خرمًا واضحًا، وهو في حالة غير جيدة الأمر الذي جعل السيد محمد بن أحمد يعجل ويبادر ألى تغليفه تغليفًا حراريًا حفاظًا على سلامته لما تبقى من عمره، فالمطلع على المخطوط يجد أن به خرمًا واضحًا من الأول والأخير، وفي الوسط، وقد طال هذا لخرم هوامش وحواف الصفحات، وأحيانًا وسط الصفحات، إلا أن الخرم المفسد للمعنى أو المضمون ليس كثيرًا ولله الحمد، إلا ما قل من الصفحات، وخاصة الأخيرة منه.

كما لا يخلو المخطوط وبحكم قدمه من آثار لبعض البقع في كثير من الصفحات دون أن يكون لها تأثير واضح ومباشر على المعاني والكلمات.

ما يلفت المطلع على المخطوط وجود قصيدة قبل بداية المادة العلمية الأصلية لمخطوط الصلاة والصلة، ولعلها من إضافات مالك المخطوط مع العلم أن هذه الصفحة داخلة في الترقيم الأصلي للمخطوط فهي تحمل رقم (1) وبداية المخطوط من الصفحة (2).


قد يكون المقصود به منثورة القعدي


تناول الشيخ في هذا السفر القيم موضوعات عديدة وأبوابًا مختلفةً منها على سبيل المثال باب في خلق الإنسان، وخلق السماوات والأرض، ليأتي بعد ذلك عن الحديث فيما يتعلق ببعض أحكام التوحيد أو علم العقيدة كما يسمى، ذاكرا بعد ذلك شيئًا من النيات، ليأتي حديثه المفصل عن الصلاة وأحكامها وآدابها والدعوة للمحافظة عليها، ثم نجده في آخر الكتاب يتكلم عن الإخلاص، وما يتعلق به من بعض الأحكام، ليسدل الستار على هذا الكتاب بذكر شيء من المواعظ.

الأمر الذي جعلني أعتقد أن هذا الكتاب ربما هو المقصود بالمنثورة نظرًا لاختلاف موضوعات الكتاب من باب إلى باب، واختلاف التسميات لا يؤثر على المضمون، ولعل من أطلق اسم الصلاة والصلة على الكتاب نظر إلى الحجم الذي طغى عليه هذا الجانب.

وعلى كل فهو كتاب قيم مهم في بابه، يجد القارئ فيه متعة وهو يتصفح ورقاته التي دبّجت بغرر من العلم، وكنوز من الفقه والعقيدة، دون أن يحس بملل، وهذا منهج مهم من مناهج التأليف عند العلماء، وخاصة القدامى منهم.

بداية المخطوط: يبتدئ المخطوط بقول الشيخ: …الحمد لله الكبير المتعال، …. والأفضال، مبتدع الخلق بلا مثال، العالم بسرائرهم بلا….أحمده على نعمه….ونستعينه على العمل بما يرضيه، وأومن به، وأشهد به، ….وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مخلص الإقرار… غير مرتاب….. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، لينذر من كان حيًا ويحق القول على الكافرين، وصلى الله على رسوله ونبيه وصفيِّه وحبيبه محمد وآله وسلِّم تسليما كثيرا وكرم تكريما، باب في خلق الإنسان……# (الصفحة 2 من المخطوط).

نهاية المخطوط: ينتهي مخطوط الصلاة والصلة بـ: …كما قال الله تعالى: (فإذا تطهرن فأتوهنَّ من حيث أمركم الله) (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)، تمَّ كتاب الصلاة والصِّلة بحمد الله ومنِّه وكرمه وصلواته على خير خلقه محمد النبي وآله وسلَّم وكان تمامه ضحى الجمعة وثاني وعشرين من شهر القعدة وكان تمامه على يد العبد الفقير لله سبحانه: سعيد بن عبد الله بن سالم المعقر النزوين نسخه لأخيه ومحبه في الله المحبّ الرضي المرضي عبد الله بن محمد بن عامر بن خنبش السمدي النزوي، وكان تمامه سنة ثماني سنين وسبعين سنة وألف سنة من هجرة سيدنا محمد النبي وآله وسلم ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العلي العظيم… (الصفحة 222 من المخطوط).


قبسات


…..باب في خلق الإنسان: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي خلق الإنسان من سلالة أذن لها فتشبتت من سقط وعرق الدماغ خرجت ومن نطفة خلصها أومن شراشيف الصدر وحجاب بياض القلب فخرجت وأرسلها فذهبت في فقار الظهر حتى أسكنت في تابوت حقويه، ثم عادت بعد الحمرة بياضا وأطلق الجوارح بالحركة حتى أفضى بها الفرج فصارت في قرار مكين ثم بقدرته خلق من تلك السلالة نطفة بيضاء ثم خلق من تلك النطفة البيضا علقة صفرا ثم خلق من العلقة الصفر مضغة حمرا ثم خلق من المضغة الحمر عظامًا جوفًا، ثم كسى العظام لحما وكساها شحمًا، وأغشاها جلدا ذات شعر نابت في قرار ثابت ثم أنشأه برأفته خلقا آخر، وأقرّه في الرحم إلى ما يشاء إلى أجل مسمى وذلك بعد أن مهَّد له في بطن أمه مهادا لينا، وجعل له حيض أمّه لبنا حتى إذا بلغت مدَّته وتكاملت عدته، وبلغ الكتاب أجله ولم يكن بد مما قدّره الله له ذلك ، وهو يومئذ مغيب في ظلمت ثلاث ظلمة الصلب وظلمة البطن، وظلمة الرحم بعث إليه ملكا فأمره برفع المشيمة عن وجهه لكيلا تغمَّه، وألطف له له عند كمال الأجل فأمر القدرة فأزعجته والمشيمة فحرَّكته، والإرادة فأنكسته من الفرج قربه ولأجل طوله وعرضه ولضيق مخرجه جعله في دقّة الأصبع ثم ناداه أن أخرج وأخرجه خلقا معتدلا وجعله جسما معتدلا… (الصفحة 2، 3 من المخطوط).

ومن بين الأبواب التي ذكرها أيضا باب في ذكر القيام إلى الصلاة والنية والاعتقاد مما جاء فيه: … والنية فرض في كتاب الله تعالى، وهي نية قبل الإقامة باللسان ونية عند تكبيرة الإحرام، وهي عقد بالقلب وعزيمة على الجوارح، وهي أوكد من الأولى، وهو أن يقول: أأدي الفريضة وأن الكعبة قبلتي طاعة لله ولرسوله، وفي النية للصلاة اختلاف؛ قال بعضهم: تكون عند الدخول في الصلاة والإرادة لها، وقال آخرون تكون عند تكبيرة الإحرام وفيها اختلاف ومن وجه آخر قال قوم: تكون قولا باللسان، وقال آخرون: تكون اعتقادا بالقلب بغير قول وهو أفضل… (الصفحة 90 من المخطوط). وهكذا يستمر الحديث في أبواب الكتاب بأسلوب شيق سهل لا تكلف فيه، حتى يأتي على آخر باب من الأبواب التي سبق وأن أشرنا إليها.