روى الإمام أحمد عن معاذ بن جبل: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيده يوما ثم قال: (يا معاذ إني لأحبك). فقال له معاذ: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! وأنا أحبك. قال: (أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).
وهنا يتساءل الدكتور مصطفى عبد الواحد في كتابه “الإسلام ومشكلات الشباب مواقف من السنة النبوية” ما الذي نستفيده من هذا الحديث في قضية مشكلات الشباب؟.. ويجيب إننا نلمح فيه الوسيلة المثلى للتوجيه، وهي الدخول من باب الحب، الذي يوجه طاقات النفس كلها إلى الخير، ويدفع الإنسان إلى الطاعة والمبادرة، إنه الحب في الله، الذي هو أفضل الأعمال، كما جاء في الحديث الشريف.
فما أروع أن يكون الحب في الله متبادلا بين الطالب والأستاذ، وبين القائد والجندي، وبين الأب والإبن، إن هذا الحب كفيل بأن يقضي على كل مشكلة، وان يزيل كل عقبة، فلا استعلاء ولا كبرياء، ولا صراع ولا أحقاد.
وقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يوجه معاذا إلى العبادة الراشدة، التي تملأ أقطار النفس وتوجه مجالات الحياة، فبدأ بطرق باب الحب في الله، ليستجيب معاذ، وليعلم أن هذه الوصية صادرة عن حب له، ورعاية لما يصلحه ثم قال له: (أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).
هكذا يكون للتوجيه أثره، وهكذا تتجدد ثمراته، فقد أوصى معاذ بهذه الوصية من رواها عنه وهو الصنابحي، وأوصى بها الصنابحي من رواها عنه وهو أبو عبد الرحمن، واوصى بها أبو عبد الرحمن من رواها عنه وهو عقبة بن مسلم، وهو الراوي الثالث في سلسلة رواة هذا الحديث.
ويقول سعيد العيلي في كتابه “من لآلئ السنة” : أن في أخبار معاذ بن جبل رضي الله عنه، ما يدل على تأثره بهذا الدرس ووعيه لمقتضياتهن روى الإمام أحمد بسنده عن أبي مسلم الخولاني قال: دخلت مسجد حمص، فإذا فيه نحو من ثلاثين كهلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا فيهم شاب، أكحل العينين، براق الثنايا، ساكت، فإذا امترى القوم في شيء اقبلوا عليه فسألوه، فقلت لجليس لي: من هذا؟ قال: هذا معاذ بن جبل. فوقع له في نفسي حب، فكنت معهم حتى تفرقوا، ثم هجرت إلى المسجد، فإذا معاذ بن جبل قائم يصلي إلى سارية، فسكت لا يكلمني، فصليت ثم جلست فاحتبيت برداء لي، ثم قلت: والله إني لأحبك. قال: فيم تحبني؟ قال: قلت: في الله – تبارك وتعالى – فأخذ بحبوتي فجرني إليه هنية ثم قال: أبشر إن كنت صادقا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله: المتحابون في جلالي، لهم منابر من نور، يغبطهم النبيون والشهداء).
ففي هذا الحديث أن معاذا كان في هذا العصر – بعد أن لحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى ما يزال شابا. وإذن فقد تلقى درس الحب في الله من رسول الله، وهو ما يزال في مرحلة الشباب، وعرف أنه السبيل إلى السمو في كل عصر، ولابد أن تتصل الحلقات، ويعرف الأخلاف المناهج الراشدة في توجيه الشباب التي اتبعها الأسلاف.
ومن الدروس النبوية النافعة في توجيه معاذ بن جبل رضي الله عنه، تلك الوصية الجامعة التي أوصاه بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين بعث به إلى اليمن.
ونقف عند هذه الحادثة الدالة على ثقة النبي صلى الله عليه وسلم بالشباب، وتشجيعه لهم واكتشافه لمواهبهم وطاقاتهم، ووضع كل منهم في الموضع الذي يليق به، هذا في موطن الدعوة، وذاك في موطن القيادة، وثالث في مهمة السفارة، ورابع في الكتابة والأمانة، وهكذا، وفي كل تلك الاختبارات كان للشباب شوقه ورغبته، دون إعنات ولا إكراه!
لقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل، وهو لا يزال في سن الشباب، إلى اليمن داعيا وقاضيا، وقال له: (يا معاذ لأن يهدي الله على يديك رجلا من أهل الشرك خير لك من أن يكون لك حمر النعم).
وأوصاه النبي صلى الله عليه وسلم حينذاك فقال له: (اتق الله حيثما كنت). قال: زدني. قال: (اتبع السيئة الحسنة تمحها). قال: زدني. قال: (خالق الناس بخلق حسن)، فهل غادرت تلك الوصية النبوية الجليلة مجالا من مجالات الاعتقاد والشعور والسلوك؟
وكيف نتصور الشاب المسلم الذي يعي تلك الوصية ويعمل بها حق عملها؟!
شاب يراقب الله – سبحانه – في كل عمل، أينما كان، وإذا أساء عفى على آثار الإساءة بالإحسان.