حوار: التسامح من فضائل الإسلام

عبدالله بن علي العليان -

جرى حوار بين الصحابي الجليل سلمان الفارسي والصحابي الزاهد العابد أبي الدرداء . وقد آخى الرسول (صلى الله عليه وسلم) بينهما، “ فزادت بينهما الألفة، وسقطت الكلفة، فزار سلمان أبا الدرداء، فوجد أم الدرداء -زوجته- متبذلة (يعني: لابسة ثياب البذلة والمهنة لا ثياب الزينة والتجمل كما تفعل المرأة المتزوجة) فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا! فجاء أبو الدرداء فرحب بسلمان، وقرب إليه طعاماً فقال: كل، فإني صائم! فقال سلمان: ما أنا بآكل حتى تأكل.. وفي رواية البزار: أقسمت عليك لتفطرن… قال: فأكل … فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم … فقال سلمان: نم.. فنام. ثم ذهب ليقوم، فقال سلمان له: نم، فلما كان آخر الليل قال سلمان: قم الآن… فصلّيا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه… فأتى أبو الدرداء النبي (صلى الله عليه وسلم)، فذكر ذلك له، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): صدق سلمان. وفي رواية ابن سعد أنه (صلى الله عليه وسلم) قال: لقد أشبع سلمان علماً.

من فضائل الإسلام التسامح مع المخالفين وغيرهم، حتى المنافقين الذين كشف القرآن شرورهم، فإن الإسلام لم يقس عليهم، على الرغم من تشديد الدين على خطر النفاق وأثره السلبي في المجتمع، فعن جابر بن عبد الله قال : “لما قسّم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، غنائم هوازن بين الناس، قام رجل من بني تميم، فقال: اعدل يا محمد!

ـ فقال (صلى الله عليه وسلم): ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل؟! لقد خبت وخسرت إن لم أعدل. فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: يا رسول الله، ألا أقوم فأقتل هذا المنافق؟! ـ فقال (صلى الله عليه وسلم): معاذ الله أن تتسامع الأمم أن محمداً يقتل أصحابه “..وحتى في حالة (رأس المنافقين) عبدالله بن أبي سلول ـ الذي وصف نفسه وجماعته بـ “الأعز، ووصف الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصحابته بـ (الأذل) ـ فقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل!.. فسمع ذلك عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فأتى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال:

يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق.ـ فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): يا عمر، دعه، لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه.

في كتابه [قبسات من الرسول] يتحدث الأستاذ محمد قطب عن بعض المواقف والفضائل والشمائل في حياته (صلى الله عليه وسلم) ومما قاله: إن أعرابياً جاءه يوماً “يطلب منه شيئاً فأعطاه، ثم قال له: أحسنت إليك؟ قال: لا و لا أجملت! فغضب المسلمون وقاموا إليه، فأشار إليهم أن كفوا. ثم دخل إلى منزله فأرسل إلى الأعرابي وزاده شيئاً. ثم قال: أحسنت إليك؟ قال: نعم. فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً. فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم): إنك قلت ما قلت وفي نفس أصحابي شيء من ذلك، فإذا جئت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي، حتى يذهب من صدورهم ما فيها عليك. قال: نعم، فلما كان الغداة جاء، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): إن هذا الأعرابي قال ما قال، فزدناه، فزعم أنه رضي . أكذلك؟ فقال الأعرابي: نعم. فجزاك الله من أهل ومن عشيرة خيراً. فقال (صلى الله عليه وسلم): إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة وشردت عليه، فتبعها الناس، فلم يزيدوها إلا نفوراً، فناداهم صاحب الناقة: خلوا بيني وبين ناقتي، فإني أرفق بها وأعلم. فتوجه لها صاحب الناقة بين يديها، فأخذ لها من قمام الأرض، فردها هوناً هوناً، حتى جاءت واستناخت، وشد عليها رحلها، واستوى عليها، وإني لو تركتم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار!

وعندما دعا النبي (صلى الله عليه وسلم) أهل نجران إلى الإسلام، من خلال كتابه إليهم، فإن نصارى نجران أرسلوا وفداً لمقابلة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والتحاور معه، فدخل الوفد إلى المسجد، وأول ما صنع -الوفد- أن اتجه إلى بيت المقدس يصلي لله على ما تقضي به طقوس المسيحية، وأراد الناس منعهم، فقال رسول الله. دعوهم… حتى انتهوا من عبادتهم… ورآهم النبي (صلى الله عليه وسلم) قد لبسوا لملاقاته أردية الكهنوت الفاخرة، وتحلّوا بخواتم الذهب، وجاءوا يخبون في الحرير، وتبدو لهم ـ بين القلانس والطيالس ـ سيماء التكلف الشديد. فأبى أن يتحدث معهم، حتى يرجعوا إلى ملابس سفرهم، ويدعوا هذه الزينة (:) و سأل بعضهم النبي، أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما يعبد عيسى بن مريم؟ وإلى ذلك تدعونا؟.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): معاذ الله أن أعبد غير الله أو آمر بعبادة غيره، ما بذلك بعثني ولا أمرني. وعرض النبي (صلى الله عليه وسلم) على أحبار “نجران” وسائر الوفد أن يسلموا فقالوا له. أسلمنا قبلك، قال: كذبتم، يمنعكم من الإسلام ادعاؤكم لله ولداً، وعبادتكم الصليب، وأكلكم الخنزير. فجادلوه في عيسى، وقالوا: من أبوه؟ فروى أن النبي رد عليهم قائلاً: ألستم تعلمون أن الله حيّ لا يموت، وأن عيسى يأتي عليه الفناء؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يكلؤه ويحفظه ويرزقه؟ قالوا: بلى. قال: فهل يملك عيسى من ذلك شيئاً؟ قالوا: لا.

قال: ألستم تعلمون أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء؟ قالوا بلى. قال : فهل يعلم من ذلك شيئاً إلا ما علم؟ قالوا: لا ..! قال : ألستم تعلمون أن ربنا صوّر عيسى في الرحم كيف يشاء؟ وأن ربنا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ولا يحدث الحدث ؟ قالوا : بلى ! قال : ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة، ثم وضعته كما تضع ولدها . ثم غذى كما يغذى الصبي، ثم كان يأكل الطعام ويشرب الشراب ويحدث الحدث ؟ قالوا : بلى .

قالوا: فكيف يكون هذا كما زعمتم؟

فقالوا: ألست تقول في عيسى إنه كلمة الله ألقاها إلى مريم وروح منه؟ قال: بلى. فلما رأى النبي أن الجدل يتمادى بالقوم. وأنهم مصرون على اعتبار عيسى إلهاً أو نداً للإله قال لهم : أقيموا غداً حتى أخبركم.