الحاجة العملية لتحالف الحضارات

في عالم بات سمته العنف والدماء والترويع والخوف، فإن العودة إلى التعايش السلمي أصبحت حلما للكثير من الشعوب، وفي منطقتنا العربية بشكل خاص فإن الجراح تثخن يوما بعد يوم، والألم يكبر والأوجاع تصبح متعددة بحيث لا يمكن السيطرة عليها ولا التحكم فيها من حيث الأسباب والعلاجات الممكنة.

لقد طرحت فكرة تحالف الحضارات منذ سنوات طويلة بوصفها قيمة إيجابية ترفد المعيشة الأخوية بين الشعوب وبين أبناء الحضارات المتباينة على وجه الأرض، والتي تعود إلى اختلاف الجذور من حيث الأديان والمرجعيات الثقافية وكذلك القوميات. ومهما يكن المرجع أو المرتكز فإن الأصل الإنساني يبقى واحدا، وتتعاظم إمكانيات اللقاء والتواصل بأكبر من تلك الأسباب التي تدعو إلى الشرذمة والشتات.

وإذا كانت الشعوب نفسها تشهد انقسامات وتوترات ولعوامل عديدة، فإن هذا يعقد العمل الأعمق والأبعد مدى والمتعلق بالحوار الحضاري دعك عن التحالف، إذ أن عملية التفاكر والتداول والتفاهم تسبق التحالف الذي هو مرحلة أخيرة في محصلة طريق قد يبدو طويلا في ظل ما يجري في العالم المعاصر من صراع.

أمس شهدت مدينة بالي الاندونيسية افتتاح أعمال المنتدى السادس لتحالف الحضارات والذي تشارك فيه السلطنة كإحدى الدول التي تهتم بالمرتكز الحضاري والوئام بين الشعوب، بل هو جوهر وعمق السياسة الخارجية العمانية التي تقوم على الالفة والمحبة بين المجتمع الدولي وإقامة التعاون البنّاء في كافة المحاور الإنسانية والمستقبلية.

ولعل مثل هذه المنتديات تساعد في تحريك بعض من الجمود القائم في الراهن العالمي، إذ أن الفجوات باتت تكبر قياسا للماضي، لاسيما في السنين الأخيرة جراء العديد من المستجدات المدركة، لكن هذا لا يمنع من صياغة الأمل والبحث عن العوامل التي تشكل مرتكزات متينة للمضي إلى الأمام والتحرك نحو عهد إنساني وإيجابي يقوم على فهم الآخر.

إن صياغة عالم أفضل يبدأ من معان صغيرة تدور حول فكر التسامح والمحبة بين الإنسان وأخيه الإنسان، ومن خلال هذه البداية يكون الانطلاق نحو محيطات أوسع في تشكيل روح متألفة تشمل المجتمعات ومن ثم الأمم، وهذا لا يأتي بمجرد الرغبات ولا النوايا الصادقة إذ لابد من التخطيط والعمل لأجل هذه الأهداف، وهذا ما تضطلع به مثل هذه المنتديات الدولية، خاصة من خلال الأوراق العلمية التي تطرحها والتي تقوم على خبرات واختصاصات في المجالات البحثية التي تدور حلقتها الكبيرة حول دعم الفكر الحضاري والإنساني في عالم اليوم بما يحقق المزيد من الاستقرار للبشرية والرفاهية ويحل مشكلات عديدة وأزمات وتعقيدات لا حصر لها في الحياة الحديثة بما يكلل بنتائج ملموسة في إطار صياغة السلم الدولي.

ولابد أن المضي في السياسات المتعلقة بالتعليم والمناهج وغيرها من الوسائل الإعلامية كذلك، يساعد في تصحيح الأفكار والانتقال إلى المراحل الإيجابية في جعل التجسير ممكنا وسهلا بين المتباعد من الأمور، بما ينزع المرجعيات القائمة على القسوة والتطرف والنزوح نحو الفكرة الأحادية التي تزعم أنها لا شبيه لها أبدا.