محمد الشحري -
طرأت بعض التطورات في المجال التعليمي في السلطنة، خلال العقود الماضية، لا يمكن إنكارها، وقد شمل التحديث والتطوير كل العناصر الرئيسية في العملية التعليمية ما عدا العنصر البشري المهم والمحوري في مهنة التعليم، وأعني بذلك المعلم ذلك الجندي المجهول، والذي مع تقدير وتبجيل المجتمع له، إلا أني أرى أنه يستحق أكثر من ذلك، لأسباب لا يتسع المقال لعدها، أبسطها أن المعلم صانع المستقبل وما ننشده للوطن وللأجيال القادمة من رخاء ونعم وأمن وأمان، وهو المسؤول عن تنشئة الجيل وتمكينه من حمل المعرفة والثقافة والعلوم، ولذلك فإن مهنة التدريس ليست مقتصرة على نقل المعلومة للطلبة من بطون الكتب، بل هي في الحقيقة تهذيب السلوك وترويض النفوس وتكوين الوعي عن طريق غرس المثل العليا في ذوات الطلبة، ولهذا فإن تقدم المجتمعات مرهون بجودة عناصر التعليم في المدارس والجامعات وحتى في المؤسسات ما قبل التعليم الأساسي كالحضانة والروضة.
لكن مع الآمال المنشودة بتحقيق التقدم في القطاع التعليمي، الذي بدوره يرفد الوطن بكوادر بشرية وطاقات وقيادات وطنية، إلا أننا نجد أن مهنة التدريس في نظامنا التعليمي تفتقر إلى التخصص، فمهنة المعلم مقسمة على عملين أحدهما فني والآخر إداري، ولذلك يفقد الجهد التدريسي نصف قوته، مما يعني أن المعلومة ستصل إلى التلميذ ناقصة، وإن وصلته سيجد صعوبة في استيعابها، فالمعلم في مدارسنا مطالب بالدوام الإداري كأي موظف إداري آخر في جهة حكومية، علاوة على أداء عمله الأساسي في التدريس، الذي يتطلب منه استعدادا نفسيا وتحضيرا علميا للمادة التي يدرسها، ناهيك عن الجهد المبذول في تصحيح الواجبات المدرسية للطلبة، ولا يتقاضى المعلم أجورا مقابل عمله المسائي خارج أوقات العمل، كما يقوم بوظائف إدارية وفنية أخرى في المدرسة إلى جانب وظيفة التدريس، فهو مربي الصف ومشرف أنشطة ومنسق إعلامي، ويقوم بمناوبات حراسة ويعوض غياب زملائه في حصص الاحتياط، ولذلك لا نستغرب طلبات المعلمين بالانتقال إلى عمل إداري سواء في المدرسة أو في المديريات التعليمية، نظرا لتراكم الأعباء الملقاة على عاتقه.
إن المعلم بحاجة إلى التفرغ لأداء وظيفته الأساسية في التدريس الصفي، وبعد ذلك يمكن لأي جهة إدارية أن تحاسبه على أدائه، ونقصد بالتفرغ للتدريس، أن يكون المعلم مسؤولا عن إلقاء دروس مادته العلمية، ثم ينصرف بعد ذلك إلى البحث والقراءة والتنقيب عن المعلومة الصحيحة والفكرة التي تترسخ في أذهان الطلبة، أما مهامه الإدارية فيقوم بها كادر إداري آخر، وهذه فرصة لفتح وظائف تشغيلية للباحثين عن العمل، أما مطالبة المعلم بالمكوث في المدرسة فلن يجدي ذلك نفعا، ولا يزيده ذلك إلا مزيدا من الضغوط النفسية التي ترهق كاهل المعلم المطالب أصلا بإيصال المعلومة إلى ذهن الطالب.
ولهذا نقترح على وزارة التربية والتعليم دراسة تفرغ المعلمين لمهنة التدريس، وأن تجري تجربة أو تجربتان في إحدى المدارس، وتتحقق من النتائج بواسطة أداء المعلمين في أداء الدروس، وانتظام حضورهم في المدرسة، وفي نتائج الطلبة التحصيلية، ولنجرب تطوير منظومتنا التعليمية والتربوية بأفكار واقتراحات من مدارسنا بدل استيراد البرامج التعليمية المُعلبة، والتي أصبحت في عصر الأسواق التجارية الحرة، بضاعة يروج لها خبراء متخصصون في الإقناع باسم العلم والمهنية.
نعيد القول: إن التعليم لن يحقق الغايات المرجوة منه، إلا إذا تطورت كل عناصره الفاعلة وفق نسق ثابت من المعلم إلى المنهج إلى المتلقي، أما دون ذلك فتبقى اجتهادات إدارية تستهلك الوقت والجهد والمادة معا، ولهذا نأمل من القائمين على الندوة الوطنية للتعليم التي ستعقد في الشهر القادم تحت عنوان «التعليم في سلطنة عُمان.. الطريق إلى المستقبل»، تقيم المرحلة السابقة ونقدها بشفافية وصراحة تامة واتخاذ القرارات المناسبة وتنفيذ التوصيات الكفيلة بتطوير التعليم.