نوافـذ: من «المنجم» إلى الطاقة الشمسية قافلة النصب مستمرة

عاصم الشيدي -

assemcom@hotmail.com -

عندما كنت في المرحلة الثانوية تعرضت لعملية نصب كبيرة وفق إمكانيات الطالب المادية في ذلك الوقت. كان شائعا في ذلك الوقت ما يعرف بالاستثمار الرأسي/ الهرمي.. تحول مبلغا من المال إلى رقم حساب معين، ثم عليك بعد ذلك أن تقنع خمسة أشخاص آخرين على الأقل بتحويل مبلغ مشابه لنفس رقم الحساب، ثم يقنع كل واحد من الخمسة الذين أقنعتهم خمسة آخرين، وكلما انضم إلى هذه القائمة فرد كلما اقترب اسمي من رأس الهرم.. وساعتها ستكون كل التحويلات تصل إلى حسابي. أذكر، وأنا ابن رجل فقير، أنني لم أنم الليل لأيام وأنا أخطط لليوم الذي سيصل فيه اسمي إلى قمة ذلك الهرم الاستثماري. مضت الأيام والشهور ثم جاء من يقنعني أن الأمر ليس أكثر من عملية نصب منظمة. بعد سنوات من تلك الحادثة تعرضت لعملية نصب ضخمة جدا.. وكنت أحد ضحايا محفظة المنجم، التي تبين لاحقا أنها وهمية، واخذت قرضا ضخما من البنك ودخلت حلم الربح الوفير في المحفظة، ولم يمض شهر أو اثنان إلا وانكشفت اللعبة، وبقيت حتى اليوم مكبلا بديون لا أول لها ولا آخر. ودخل صاحب المحفظة السجن لمدة ثم خرج، لكن أموالنا ما تزال في عالم المجهول.

ويوم الأربعاء الماضي تلقيت رسالة عبر الفيس بوك يسألني صاحبها، وهو عماني، إن كنت قد سمعت بالطاقة الشمسية، قلت له: نعم سمعت بها وكتبت عنها مقالا استغرب فيه لماذا بلادنا لا توظف الطاقة الشمسية في إنتاج الكهرباء بينما دول أوروبا التي لا تكاد ترى الشمس طوال العام تسير قطاراتها بالطاقة الشمسية. ضحك الطرف الثاني. وحسبت أنه يسخر من تراجعنا في مثل هذه المشاريع ولكنه عاد وقال: أقصد هل سمعت بالاستثمار في الطاقة الشمسية. فقلت له: لا. وبدأ يشرح لي كيف يمكن أن استثمر في شراء ألواح مولدة للطاقة الشمسية من شركة عالمية وعوائدها تصل إلى ما نسبته 100%. وأن هذا الاستثمار كان مقتصرا على كبار الشخصيات الذين تضاعفت أموالهم عشرات المرات قبل أن يسمح للعامة دخول مثل هذه الاستثمارات.

ثم سألني هل تريد أن تكون أحد هؤلاء المستثمرين. ومباشرة تذكرت حالي والدين الذي ما زلت أسدده للبنك والمساحة الضيقة التي حصرني فيها طول السنوات الماضية. فقلت له مباشرة: لا شكرا لا أريد. لكنني فكرت أن هناك آخرين يمكن أن ينخدعوا كما انخدعت أنا والعشرات غيري. فعدت له وطلبت منه أن يشرح لي التفاصيل. والضمانات التي يمكن أن تعطى لي. كان الرجل حذرا جدا وبدا لي محترفا في اقناع الآخرين. وطلب مني أن أحضر معهم جلسة كانوا سيعقدونها في أحد المطاعم في الخوض، وقبل موعد الجلسة بنصف ساعة غيروا المكان إلى مجمع البهجة. واعتقدت أن فكرة تغيير المكان ليست أكثر من مناورة أمنية على طريقة جماعات المافيا. لم أحضر اللقاء ولكني قرأت في اليوم التالي تحذيرا من شرطة عمان السلطانية يحذر المواطنين والمقيمين من الوقوع في فخ هذا الاستثمار. ورغم ذلك فإن الكثيرين سيقعون، وسيستمر المروجون يعملون تحت سقف شركات وهمية سواء كانت مسجلة محليا أو مسجلة في دول غربية تحترف مثل هذا النصب.

وبين عملية «نصب» المنجم وعملية «نصب» الطاقة الشمسية وما سيليها ضحايا خسروا كل شيء، تآمرت عليهم الظروف وأشياء كثيرة أخرى لم يأت الوقت لكشفها.