تحليل – باريس تسعى لاستعادة نفوذها

باريس- (أ ف ب): بعد مرور احد عشر عاما على رفضها اتباع خطى واشنطن ولندن في اجتياح العراق، تسعى فرنسا الان للعودة الى الواجهة في المنطقة من خلال العراق الذي يحارب تنظيم الدولة الاسلامية المتطرف، سواء أكان على الصعيد الدبلوماسي او في اطار تحرك عسكري.

وقال دبلوماسي فرنسي: «اننا عضو دائم في مجلس الامن الدولي ولدينا مسؤوليات في هذا الاطار.

ان مصلحتنا الوطنية، وامننا القومي على المحك ولذلك نتدخل. لا يجوز ان نسمح بقيام معقل اسلامي على مسافة خمس ساعات طيران من باريس».

كذلك اشارت باريس ايضا الى المهمة التاريخية لحماية الاقليات المسيحية. ويبدو ان الدعم الفرنسي يطمئن القلقين في المنطقة وخارجها من تدخل عسكري امريكي بدأ منذ الثامن من اغسطس بضربات على مواقع تنظيم الدولة الاسلامية.ويذكر كريم اميل بيطارالباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية بأن «الدبلوماسية الفرنسية اعتمدت موقفا صائبا في 2002-2003 برفضها الانخراط في الحرب وبتوقعها نتائج التدخل: جعل العراق معسكر تدريبي للقاعدة فيما كان هذا التنظيم غائبا عنها قبل سقوط نظام صدام حسين».

وخلافا للولايات المتحدة تبدي باريس حرصها على الحصول على شرعية قانونية دولية مع مباركة السلطات العراقية والامم المتحدة.

وفي العراق لم تقرر واشنطن التحرك إلاعندما باتت مصالحها القومية مهددة مباشرة – مع تقدم تنظيم الدولة الاسلامية الذي بات يهدد اربيل عاصمة اقليم كردستان العراق، الذي يتمتع بالحكم الذاتي ويوجد فيها العديد من الامريكيين- ونشر التنظيم المتطرف شريطين مصورين لقطع رأس صحفيين امريكيين.

لكن الى اي مدى سيصل الائتلاف الدولي ضد تنظيم الدولة الاسلامية؟ وهل سيضم ايران الداعم الاساسي لنظام الرئيس السوري بشار الاسد المرفوض من قبل الغربيين؟

وفي هذا السياق اقر دوني بوشار من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية بـ «أن لا شيء يمكن ان يحدث في العراق بدون موافقة ايران.

فالحاكمون في بغداد قريبون جدا من طهران، كما انهم متهمون بتهميش السنة مع ما ينطوي عليه ذلك من خطر دفعهم للانضمام الى المقاتلين المتطرفين».

واوضح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ان فرنسا ستشارك «ان اقتضت الضرورة» في تحرك عسكري جوي في العراق.

علما بان لها ست طائرات -رافال- ونحو الف جندي في دولة الامارات العربية وقد تعمد ايضا الى تعبئة حاملة طائراتها شارل ديجول. ولفت مسؤول فرنسي طلب عدم كشف اسمه الى ان «مثل هذه المشاركة يجب ان تكون فعالة ومحددة الهدف.

وينبغي الاحتفاظ بجانب من الاستقلالية. لا نريد ان نكون بمثابة متعهد ثانوي للأمريكيين».

وترفض باريس في الوقت الحاضر اتباع الرئيس الامريكي باراك اوباما الذي توعد بـ «تدمير» تنظيم الدولة الاسلامية وهدد بضربه ليس في العراق، بل وايضا في سوريا حيث ظهر هذا التنظيم المتطرف في اطار الحرب الدائرة بين المقاتلين المعارضين ونظام الرئيس بشارالأسد.

واعتبر المسؤول الفرنسي «انها ليست الازمات نفسها» و «يجب عدم الخلط بين المشكلتين حتى وان كان «الدولة الاسلامية» موجودا في البلدين».

ولم يغب عن بال الدبلوماسيين الفرنسيين ان باريس كانت قبل عام رأس الحربة للقيام بتوجيه ضربات جوية على سوريا -انذاك ضد نظام بشار الاسد- لكنها اضطرت لاعادة النظر في اللحظة الاخيرة في مخططاتها عندما تراجعت الولايات المتحدة عن تلك العملية.

وتخشى فرنسا ان يؤدي توجيه ضربات الى تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا الى تعزيز النظام السوري عسكريا على الارض ويعطي مزيدا من الشرعية لبشار الاسد الذي تصفه باريس بابشع الاوصاف منذ سنوات عدة.

وراى كريم اميل بيطار «ان التدخل العسكري في العراق ليس سوى احد السبل. ليس هناك استراتيجية شاملة لسوريا والعراق اللذين يعتبران مسألتين مرتبطتين».

وفي نظره فان تنفيذ اي عملية عسكرية اليوم في العراق لن يكون من شأنه سوى «اصلاح نتائج التدخل السابق»، وذلك «بتهيئة الظروف للتدخل المقبل» مع التذكير بان السلطات العراقية المركزية ضعيفة جدا.