قصرالحير ببادية الشام السورية أعجوبة الفن المعماري

دمشق – «العمانية»: يعد قصر الحير الغربي من أبرز القصور التي عرفتها بادية الشام فهو إلى جانب قصورأخرى يعتبرشاهداً على عظمة تلك الفترات التي غدت فيها البادية مقراً أساسياً للخلفاء الأمويين الذين أدركوا أهميتها؛ فقد جعلوها عامرة بقصورهم وحدائقهم الكثيرة.

هذه المباني التي ظهرت خلال العصر الأموي شكلت القاعدة والأساس لفنون العمارة الإسلامية فيما بعد. ويقع قصرالحيرالغربي في البادية السورية على أطراف الطريق الواصل بين دمشق وتدمر، عند تقاطع الطرق التجارية بين مدينة الرقة ودمشق وحمص وشبه الجزيرة العربية بالقرب من جبل رواق على بعد 60 كيلومترا جنوب غرب مدينة تدمر وسط بادية الشام حيث كان يطلق عليه اسم «الزيتونة»، وهو الاسم الأصلي له، أمّا «الحير»، فهي تسمية حديثة استعيرت من معنى السورالذي كان يحدّه.‏ وبالإضافة إلى فن العمارة فقد قدم قصرالحيرالغربي نماذج رائعة من الفنون الأخرى التي عثر عليها داخل قاعات القصر كالرسوم الجدارية والزخارف الجصية وأرضيات الحجرات وغيرها من النقوش الفنية التي تتناول مواضيع مختلفة نباتية وهندسية وحيوانية وإنسانية تشهد على جمالية هذا الفن الذي جمع في أسلوبه الفنون السابقة، وأضاف عليها فخرج بفن جديد اعتبر أفضل نموذج للفن المعماري الأموي.‏ ‏وهناك الكثير ممن خاض مغامرة الصحراء العربية لاسيما في بلاد الشام وتجول فيها، وفيهم من كتب مذكراته ووصف المناطق التي مر بها ومنها تدمر والمناطق المحيطة بها.

وكان أول من أشار إلى موقع قصرالحيرالغربي بواديبارد، الذي قام بأخذ العديد من الصورالجوية للبقايا الأثرية، ومن بين الصور الجوية الملتقطة منطقة قصرالحيرالغربي وكان من أهم ما تم تمييزه من تلك الصور بقايا القصر المتمثلة بسور مستطيل، وأحد الأبراج المؤرخة للعصر البيزنطي وقناة مائية ممتدة بين القصروسد خربقة.‏

أما الأعمال الأثرية الأولى في الموقع فبدأت مع شلومبرجيه عام1936 م واستمرت حتى عام 1938م لتتوقف الأعمال بعدها حتى خمسينات القرن العشرين، حيث قامت المديرية العامة للآثار السورية بنقل واجهة القصرإلى دمشق وتمت إعادة تركيبه فوق واجهة المتحف الوطني بدمشق وما زال كذلك حتى اليوم.‏ويعتقد أن القصر في مرحلته الاولى بني على أنقاض دير يعود إلى العهد الغساني وحسب العالم «شلومبرجيه» فإنّ هذا القصر قد شُيّد فوق دير غساني، ‏لكن في الحقيقة يعود تاريخ القصرومنشآته إلى العصرالأموي؛ فهو أحد القصور العامرة التي بناها الخلفاء والأمراء الأمويون في بادية الشام.

وقد أرخ قصر الحير الغربي إلى جانب قصر الحير الشرقي في عهد هشام بن عبد الملك عام 728م، وجعله مركزاً زراعياً للمنطقة.

ودلت على تاريخ بناء القصر كتابتان الأولى نقشت على أحد أبواب الخان المجاور للقصر وهو حالياً محفوظ في المتحف الوطني بدمشق وعليه الكتابة التالية: « بسم الله الرحمن الرحيم، لا اله إلا الله، وحده لا شريك له». ويتم الاتصال بين الباب الخارجي والباحة الداخلية بواسطة دهليز يؤدي إلى الأروقة المغطاة المحمولة على أعمدة حجرية قديمة تتقدم الغرف والصالات المحيطة بالساحة المركزية التي تتوسطها بركة ماء، حيث تتوزع الغرف في الساحة على طابقين معماريين.

وتظهر البقايا الأثرية أن القصر كان مؤلفاً من طابقين: أرضي، يعلوه طابق آخر تعرض للتخريب بالكامل، في حين أن الطابق الأرضي يمكن أن يقسم إلى ستة منازل: اثنان في الجهة الشرقية ومثلهما في الجهة الغربية المقابلة، وبيت واحد في الشمال يقابله واحد في الجنوب ويتراوح عدد الغرف والصالات في كل بيت ما بين 8 إلى 13 قاعة أوغرفة ذات مشبكات جصية رائعة تسمح بدخول الضوء والهواء إلى الغرف، وكل منزل مؤلف من عدد من القاعات حيث يبلغ عدد القاعات ومجموع ما هو موجود ضمن هذا الطابق «59» قسماً.‏

ويبلغ طول حديقة القصر «1050» متراً وعرضها «442» متراً ويحيط بها سور أساساته من الحجر، ومداميك من اللبن تعرضت للتخريب بالكامل وقد عمد الأمويون لتأمين المياه لهذه الحديقة بشق قناة تمتد من سد خربقة حتى القصر والحديقة ربما تعود هذه القناة لفترة الدير البيزنطي.

كما عمدوا فيما بعد إلى إنشاء سد أوخزان تصب فيه مياه القناة ثم يتم توزيع المياه إلى منشآت القصر «الحمام والحدائق» عبر قنوات أصغر يتم التحكم بها من قبل شخص عُين لهذا الغرض.

كما تم العثور على العديد من السدود الصغيرة في المنطقة كانت توضع ضمن مجاري الأودية والاستفادة من مياه الأمطار أيضاً من خلال تجميعها ومن ثم تحويلها إلى الخزان الرئيسي أو ما يعرف باللغة العامية ب «البركة». ‏أما الحمام فيوجد في الجهة الشمالية من القصر على بعد 30 متراً من والبرج البيزنطي وله مخطط مستطيل الشكل تقريباً وهو يتألف من عشر حجرات مع قمرات التسخين وتقسم بدورها إلى قسمين أحدهما دافئ والآخر بارد، وجدران الحمام مبنية من الحجر الكلسي واللبن، ولا يزال بعضها محفوظا حتى ارتفاع مترين تقريباً.‏ وقد تم العثور أثناء أعمال التنقيب على بقايا قطع رخام وطينة كانت تغطي بعض الجدران، إلا أنه لم يتم العثور على رسومات في جدران الحمام الداخلية كما هو الحال في حمام قصر عمرة في الأردن ويمكن القول أن الحمامات الأموية تظهر تغيراً في مخطط الحمام، الذي كان سائداً خلال العصور السابقة وتشكل الانطلاقة لتطور عمارة الحمامات في العصور الإسلامية اللاحقة. ‏وتمت إعادة بناء أجنحة بوابة القصر في المتحف الوطني بدمشق بواسطة ورشات سورية، وأعيد بناء واجهة قصر الحير الخارجية مع البرجين اللذين يحيطان بالباب الرئيسي في حديقة المتحف الوطني بدمشق، وأصبحت المجموعة المعمارية الباقية من قصرالحير والتزيينات التي انتهت إلينا من الزخارف الجصية التي جمعت من آثار القصر مصدراً رئيسياً لمعرفة منشأ الفن العربي الإسلامي.‏