الحياة الفطرية في وادي «قيصد» مهدّدة بالانقراض

الأشجار تتعرض للجفاف بسبب الاحتطاب والرعي والسيارات.. ونفوق مستمر للسلاحف.. –

قام بزيارته: أحمد بن عبدالله الحسني –

تتعدد أوجه الحياة في (خور قيصد) بولاية الجازر بالوسطى لما يضمه من بيئات مختلفة تجمع مختلف أوجه الحياة الفطرية، اضافة الى التكوينات الجيولوجية والتي يقدر عمرها بآلاف السنين منها الآثار الحجرية والتي ما زالت صامدة وشاهدة على حقبة من الزمن، والوادي واحة جميلة جمعت الصحراء والبحر، بيئتان اصبحتا مرتعا للحياة الفطرية بشتى انواعها، ففي رمال الصحراء فان اشجار الغاف والشجيرات الاخرى اصبحت مرتعا للاغنام والابل والحيوانات البرية الاخرى كالغزلان والارانب وغيرها، اما خيرانها فتختزن احياء بحرية ثمينة مثل سرطان البحر الذي يعتبر صيدلية من الطبيعة لعلاج تقرحات الجروح.

جهود حكومية للحفاظ على مكنونات الوادي بعد ما واجهت الحياة الفطرية تجاوزات بفعل البشر، الا ان هذه الطبيعة البكر بحاجة الى مزيد من الاهتمام من حيث احياء التراث الموجود وتجديده ليعيد ذكريات تلك الحقبة التي عاش فيها الاهالي وخصوصا ان الوادي كان يمثل ميناء تجاريا يستقبل العشرات من السفن التي تنقل مختلف البضائع. الواحة الصحراوية تستقبل المئات من الزوار والسياح للتخييم لمدد متفاوتة، الا ان الامكانيات الخدمية غير متوفرة وخصوصا الطريق المؤدي الى هذا الوادي والذي يفتقر الى التأهيل، ولكن للاسف ان هذا الوادي لم يتم استغلاله الاستغلال الامثل مثل انشاء بعض الاستراحات والخدمات الترفيهية، وانشاء طريق الى هذا الوادي، كما ان اشجار الغاف والسمر ما زالت تتعرض للاحتطاب الجائر، اضف الى نفوق العديد من السلاحف الخضراء، وهذا ما يدعو الأهالي الى الشك بأن الحياة الفطرية في هذا الوادي اصبحت مهددة بالخطر والانقراض للاسباب آنفة الذكر، اضافة الى التلوث بسبب انتشار القمامة وحركة السيارات.


تشكل الاخوار والواحات الصحراوية والأودية حجر الزاوية في السياحة البيئية في السلطنة بما تحويه من ثروات طبيعية فريدة وتنوع بيئي جذاب وعناية فائقة بالحياة البرية والبحرية والتكوينات الجيولوجية، ووادي (قيصد) بولاية الجازر بالوسطى أحد المواقع الجميلة والذي كان في السابق يعجّ بالحياة البشرية لكونه ميناء تجاريا ترسو على شاطئه الخشب البحرية لتفريغ حمولاتها من الارز والتمر والاسماك المجففة والاخشاب، وخير شاهد تلك (الدواميس) التي كانت بمثابة المخزن والمنزل للسكان في آن واحد، كما ان الصخور البحرية على ثروة بحرية ثمينة ما زال السكان ينتفعون منها باصطياد الروبيان والشارخة في دخلهم الأسري، اضافة الى اصطياد الحبار والمسمى محليا الغترو والاخطبوط والمسمى الترباح، كما تحتوي الخيران على سرطان البحر والذي غالبا ما يستخدمه السكان في علاج تقرحات الجروح، كما ان هذه الخيران تحتوي على الآلاف من اسماك البياح الصغيرة التي اصبحت طعاما للطيور وسرطان البحر، وتنتشر في هذا الوادي، وخاصة على رماله الناصعة البياض، اشجار الغاف الكبيرة والتي اصبحت مرتعا للحيوانات والطيور والجمال، مشكلة بيئة جميلة وخاصة مياه الخيران التي تتداخل مع بعض الاشجار الصغيرة والتي تشكل بيئة مناسبة لتجمع الطيور والاسماك وسرطان البحر.


الحياة الفطرية


سعد بن سعيد الجنيبي المشرف على الحياة الفطرية في وادي (قيصد) تحدث عن مكنونات بيئية يضمها هذا الوادي قائلا: لكون هذا الوادي تتعدد فيه اوجه الحياة البرية والبحرية كان لزاما علينا الحفاظ على مكنوناته القيمة المتمثلة في السلاحف الخضراء والغزلان البرية والارانب والطيور النادرة والتي كانت تواجه الصيد العشوائي، ولكن الحمد لله ان الحكومة شرعت في الحفاظ على هذه المكنونات بتوظيف بعض الشباب من سكان الولاية لحراسة هذا الوادي، اضافة لكونه مرعى للاغنام والابل والتي تقتات على الشجيرات المغذية للحيوانات، مضيفا ان الوادي يشتهر بأشجار الغاف الوارفة، كما ان السلاحف واجهت منذ فترة بالقتل المتعمد بغية الحصول على لحمها الثمين، ومن هذه السلاحف المسماة (الحمسة) وهي نوع من السلاحف الخضراء والتي اعطتها الحكومة جل اهتمامها للحفاظ عليها من الانقراض، حيث يتواجد مثل هذا النوع في موقع بالبحر يسمى (الخبة) حيث تخرج الى الساحل للتعشيش، وقال سعد الجنيبي: ان الوادي اضافة الى جماله يمتاز ايضا ببعض اشجار النخيل والتي كانت يعتمد عليها الاجداد في قوتهم اليومي حيث كان الناس يقطنون في هذا الوادي لكونه المكان الرئيسي لتجمع الخشب البحرية لافراغ البضاعة وتخزينها في (الدواميس) والتي هي عبارة عن مخزن ومنزل للعائلة الواحدة، وهناك شجيرات اسمها الثرمد والأثل وقضاب، كما ان الاهالي ما زالوا يستعملون سرطان البحر المسمى (الحيشيه) كعلاج لتقرحات الجلد، حيث يتم كسر الصدفة ويستخرجون مادة صفراء بداخل جسم سرطان البحر ومن ثم يضعونها على موقع الطفح الجلدي وسريعا ما تزول اعراض تلك التقرحات.


مراقبة مستمرة


وفيما اذا كانت هناك مراقبة مستمرة للحياة الفطرية والبحرية قال سعد الجنيبي: طبعا ان المراقبة مستمرة، ولدي تصريح من وزارة البيئة والشؤون المناخية لمتابعة ما يدور في هذا الوادي من تجاوزات، ولكن الحمد لله لم نشاهد ما يدعونا للشك والريبة حول استغلال هذه البيئة في المآرب الشخصية، وبشكل يومي نشكل فريقا من الشباب للتجول في مختلف مواقع هذا الوادي سواء على الرمال الرملية او في الاخوار او الشاطئ ولكن لا تتوفر لدينا الامكانيات اللازمة مثل اجهزة الاتصال او مركبة، وكان في السابق نجد بعض الناس يصطادون بعض الغزلان والارانب مما استدعى الى اخطار وزارة البيئة والشؤون المناخية والتي اوكلت الينا بالاتصال الدائم بالمسؤولين في حالة وجود مثل هذه التجاوزات، ولكن للاسف ان بعض اشجار الغاف والسمر في هذا المكان تعرضت للاحتطاب الجائر، مما عرض العديد منها الى الموت وما زالت جاثمة في مكان، ولكنها في نفس الوقت اصبحت مكانا لتعشيش الطيور، اضف الى ذلك رعي الابل والاغنام الجائر وحركة السيارات التي اصبحت تقتلع الشجيرات التي تضفي على الوادي جمالا ومكانا آمنا لتعشيش الطيور ومرتعا للحيوانات الصغيرة.


ثروة ثمينة


ومن جانبه تحدث عبدالله بن سالم الجنيبي وهو احد السكان عن الصخور البحرية التي تضم كائنات بحرية ثمينة يستفيد منها الأهالي في المدخول الأسري، وقال ان هذه الصخور تتواجد فيه كائنات مثل الروبيان والشارخة واسماك القاع مثل الهامور وكذلك الكنعد والترباح والغترو، وكلها اسماك لها قيمتها في السوق المحلي، وعند عملية الجزر ينزل البحر وتظهر الصخور مشكلة اخوارا مائية وصخرية، ونشأت هذه الصخور بسبب جريان الأودية، ويحكي الاهالي انه في موسم هيجان البحر وخاصة موسم خريف صلالة تتقاذف الامواج بعضا من مادة عنبر الحوت الازرق، ويضم شاطئ وادي (قيصد) بعض القوارب القديمة والتي يتم استعمالها بالتجديف، مضيفا : في الحقيقة ان هذه المواقع اصبحت تمثل ملاذا للانسان والحيوان، ونجد في بعض الاوقات العديد من الزوار يقضون يومهم في التنزه في هذا الوادي، ولكن للاسف ان هذا الوادي لم يتم استغلاله الاستغلال الامثل لانشاء بعض الاستراحات والخدمات الترفيهية، وانشاء طريق رئيسي بدلا من الطرقات المتعددة بفعل السيارات التي تجوب الوادي، كما ان بعض المواقع يتواجد فيها تراث قديم وهو عبارة عن بيوت حجرية يقدر عمرها بآلاف السنين، اضافة الى وجود بعض القوارب المسماة (الهوري)، ولكن كل هذا التراث لم يلق أي اهتمام سواء من الجهة المختصة او من الاهالي، وقال: ان هناك العديد من اشجار النخيل تواجه الموت المحقق بسبب عدم الاهتمام بها من حيث تهيئتها وازالة الاوراق اليابسة.


السياحة البيئية


يعتقد الأهالي ان الحياة الفطرية في وادي (قيصد) اصبحت في خطر ان لم تتدخل الجهات المعنية بتطوير وتنمية السياحة البيئية فيه كإقامة مشاريع تشجع على السياحة، حيث من المعلوم ان المحميات الطبيعية قطب الرحى لقيام هذا النوع من السياحة لـمحافظتها على التنوع الإحيائي بشقيه النباتي والحيواني، كما انه من المعلوم ان السلطنة يوجد بها العديد من المحميات الطبيعية ذات النظم الأيكيولوجية الفريدة، بما فيها محميات الكائنات الحية والفطرية الغنية بالتنوع الفطري والموارد الجيولوجية والتاريخية والأثرية التي تجذب السائح الهارب من ضوضاء الحياة الحديثة للاسترخاء والتمتع بجمال ونقاء الطبيعة بثراء مناظرها الخلابة وأحيائها الفطرية.