احتياج ملح لتغييرات هيكلية في بنية الاقتصاد ورفع مساهمة القطاعات غير النفطية

التحديات والبدائل في ظل تراجع أسعار النفط –

تحليل أمل رجب –

مع انخفاض الأسعار إلى ما دون 90 دولارا لبرميل النفط تصل الأسعار إلى أدنى مستوى لها منذ يونيو 2012 وهو ما يثير العديد من التداعيات المحتملة على الدول المصدرة للنفط والتي تأتي غالبية إيراداتها العامة من قطاع النفط بينما مازالت مساهمة القطاعات الاخرى, من تجارة وصناعة وسياحة وخدمات تعد محدودة نسبيا كمصدر للعائدات.

وفيما يتعلق بالسلطنة يتزامن التراجع الكبير في أسعار النفط مع توقيت إعداد الموازنة الجديدة لعام 2015 والتي يتم إعدادها في حدود سبتمبر أو أكتوبر من كل عام وتعلن رسميا في اول يناير. وكانت التقديرات الرسمية في السلطنة تشير إلى أن عوامل دعم الاقتصاد الوطني من المتوقع أن تظل مواتية في الأجل القصير وأن تظل الحكومة قادرة على أتباع سياسة مالية توسعية للمحافظة على قوة الدفع الحالية للنمو اما المخاطر الرئيسية التي يمكن أن تواجه الاقتصاد العُماني في المستقبل فهي احتمالية حدوث مزيد من التباطؤ في وتيرة النمو الاقتصادي العالمي، وحدوث تراجع حاد في أسعار النفط.. ولذلك فان السلطنة تراقب التطورات المالية والاقتصادية العالمية بما في ذلك اسعار النفط العالمية وبناء عليها سيتم تحديد سعر النفط في موازنة العام المقبل.

ويقود تراجع أسعار النفط إلى نتيجة أساسية هي أن الاقتصاد الوطني يفقد واحدا من أهم مصادر الدعم المتمثل في استقرار أسعار النفط طوال السنوات الماضية وهو الأمر الذي كان عاملا مهما في دفع الاقتصاد الوطني لمواصلة نموه بمعدلات مرتفعة بدعم من الزيادة في إنتاج النفط واستقرار أسعاره وهو ما ساعد في استمرار انتهاج الحكومة للسياسة المالية التحفيزية التي ادت إلى قوة وتنامي الطلب المحلي طوال السنوات الماضية.

ورغم ان موازنة العام الحالي تم وضعها على اساس 85 دولارا للبرميل إلا ان وصول سعر التعادل إلى 112 دولاراً يجعل مواصلة بناء الاحتياط المالي أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلا وهو ما من شأنه أن يؤثر على التوقعات والاحتمالات المالية التي وضعتها السلطنة.

ويحمل تراجع أسعار النفط رسالة واضحة هي أنه لابد من النظر في البدائل غير النفطية لدى السلطنة واستغلال كافة الامكانيات والمقومات وتقليل الاعتماد على النفط وفي الوقت الحالي فإن حجم الاقتصاد يتجاوز 30 مليار ريال هي إجمالي الناتج المحلي ولابد أن يكون الاقتصاد بكافة قطاعاته قادرا على مساعدة الحكومة في تنويع مصادر الدخل.

وتظهر الأرقام الواردة في موازنة العام الحالي 2014 حجم التحديات المالية التي يمكن ان تواجه موازنة العام المقبل في حال استمرار تراجع أسعار النفط ويفترض أن الموازنة الجديدة قيد الإعداد حاليا تمهيدا لإعلانها رسميا في أول يناير المقبل، ويبلغ حجم الانفاق العام للعام الحالي 13.5 مليار ريال، ويقدر إجمالي الإيرادات العامة بنحو 11.7 مليار ريال وبناء على ذلك فإن العجز المتوقع لهذا العام على أساس سعر 85 دولارا للنفط سيكون في حدود 1.8 مليار ريال، اما مصادر الايرادات العامة فإن النفطية منها تمثل 83% من جملة الإيرادات، بينما تمثل غير النفطية 17% منها نحو 50%عبارة عن الحصيلة المقدرة للضرائب والرسوم.

ويمثل ارتفاع المصروفات الجارية خاصة كلفة الرواتب والأجور عبئا اضافيا على الموازنة سواء في العام الحالي او الاعوام المقبلة حيث تصل هذه المصروفات العام الحالي إلى نحو 8.7 مليار ريال تمثل 65% من إجمالي الإنفاق العام، في حين تمثل الرواتب والأجور والبالغة نحو 5 مليارات ريال 37% من إجمالي الإنفاق العام، ويتبقى من الموازنة 3.2 مليار ريال هي المصروفات الاستثمارية التي توجه لتغطية الصرف على المشاريع الإنمائية والمصروفات الرأسمالية لإنتاج النفط والغاز إضافة إلى مصروفات الدعم وقدرها نحو 1.4 مليار ريال عماني بنسبة 10% من إجمالي الإنفاق العام.

وفي حال استمرار تراجع أسعار النفط من المتوقع أن يمتد التأثير ليشمل معدلات النمو المتوقعة للعام الحالي حيث كان معالي درويش بن إسماعيل البلوشي، الوزير المسؤول عن الشؤون المالية قد توقع في بداية العام أن يواصل الاقتصاد الوطني نموه خلال العام الحالي بنسبة 5% محافظا على مستواه في عام 2013، كما أن الأنشطة غير النفطية سوف تنمو بمعدل 7.3% مقارنة بـ 5.6% العام الماضي.

ومع توقع وزارة المالية أن ينتهي العام الحالي بعجز في الموازنة فقد سبق أن أعلنت الوزارة أن الحكومة ستغطي العجز المتوقع في ميزانية عام 2014 من خلال إصدار محتمل للصكوك الإسلامية وسندات التنمية الحكومية، بجانب قروض خارجية من مستثمرين استراتيجيين كما أن هناك احتمالا لمواصلة برنامج التخصيص للشركات الحكومية وإلى جانب ما حققه تخصيص جزء من حصة الحكومة في شركة عمانتل للاتصالات من عائدات كبيرة فان مواصلة هذا البرنامج يصب في صالح زيادة دور القطاع الخاص في النمو الاقتصادي.

وبينما تعد الاجراءات السابقة قصيرة المدى فإن الحكومة لديها بدائل عديدة على المديين المتوسط والطويل لعلاج أي عجز في الموازنة وضبط الايرادات وهذه البدائل اصبحت ضرورة ملحة وهي تنطلق من أن استمرار سلامة الوضع المالي في السلطنة لا يمكن أن يتواصل إلا باتخاذ إجراءات تقود إلى إحداث تغييرات هيكلية في بنية الاقتصاد، بما يوجد مصادر جديدة للإيرادات العامة ويرفع مساهمة مختلف القطاعات غير النفطية في النمو الاقتصادي مع الاتجاه الى ترشيد الإنفاق وتطبيق اصلاحات مالية خلال السنوات المقبلة ومراجعة الإيرادات غير النفطية بهدف تنميتها والدفع بعملية التنويع الاقتصادي عبر دعم قطاعات جديدة في مقدمتها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ورفع مساهمة القطاع الخاص انطلاقا من ان دور الحكومة الحقيقي يفترض أن يكون في توفير البنية الأساسية والإطار التشريعي اللازم، وتوفير الدعم والتحفيز للقطاع الخاص لتسهيل عمله، كما يمكن أن يدخل القطاع الحكومي كشريك في بعض المشروعات الكبرى، وهو ما يؤدي إلى تقليل المصروفات الاستثمارية الحكومية، مقابل زيادة الاستثمارات للقطاع الخاص سواء المحلي أو الخارجي.

وعلى النطاق العالمي فقد بدأت حالة من القلق تنتاب الدول المصدرة للنفط خاصة وقد أعلنت منظمة أوبك التي تضم 12 بلدا وتؤمن ثلث النفط الخام للعالم أن أسعار النفط تواصل هبوطها بسبب طلب ضعيف وعرض كبير ومع هبوط سعر الخام الأمريكي الخفيف يوم الجمعة الماضي بأكثر من دولارين، مسجلا أدنى مستوى له منذ عام 2012، يزيد الضغط على أوبك لخفض الإنتاج من أجل إنقاذ الأسعار في مواجهة تباطؤ الطلب وقال وزير الخارجية الفنزويلي رافائيل راميريز إن بلاده ستطلب عقد اجتماع استثنائي لمنظمة الدول المصدرة للنفط أوبك مشيرا الى انه يعتقد ان تراجع الاسعار ليس بسبب الأسواق بل بتلاعب في الأسعار من أجل خلق مشاكل اقتصادية للشركات الكبرى المنتجة للنفط وأكد راميريز أنه لا أحد يريد أن يتراجع سعر البرميل إلى أقل من 100 دولار وأوضح أن طلب عقد اجتماع استثنائي سيقدم في اجتماع مقرر أصلا لأوبك في 27 نوفمبر في فيينا.

ويرى محللون أن تراجع الأسعار ناجم عن زيادة في إنتاج الدول غير الأعضاء في أوبك، خاصة النفط الصخري الذي تعد الولايات المتحدة المنتج الأول له في العالم ومع أنها تملك أكبر احتياطي نفطي في العالم.

واشار تقرير أعدته شركة آسيا للاستثمار الى أن انخفاض اسعار النفط عالميا لا يعد حدثا مفاجئا، بل هو نتيجة لزيادة حجم المعروض النفطي بشكل منتظم منذ عام 2008، حيث ازداد إجمالي الإنتاج للنفط الخام والوقود السائل بنسبة 10% في خمس سنوات بحسب وكالة الطاقة الأمريكية، ليرتفع من حجم 83.3 مليون برميل في اليوم في بداية 2009 إلى 91 مليون برميل في اليوم بمنتصف 2014 إضافة إلى ذلك، بدأ الطلب على النفط يخسر قوته خلال السنوات الأخيرة، وعلى وجه الخصوص الطلب من الولايات المتحدة وأوروبا واليابان التي خفّضت استهلاكها النفطي بنسبة 10% منذ عام 2008، أي بما يعادل أربعة ملايين برميل في اليوم وجاء هذا الانخفاض بسبب تحسّن فعالية الطاقة والنمو المنخفض للناتج المحلي الإجمالي.

وحول الآثار الاقتصادية لطفرة الطاقة التي تشهدها الولايات المتحدة حاليا وزيادة إنتاج الغاز الطبيعي 25% وناتج خام النفط والسوائل الاخرى بنسبة 30% خلال السنوات الخمس الماضية مما خفض واردات الولايات المتحدة من الطاقة بنحو 40% ويبين السيناريو الاساسي لمؤسسة معلومات الطاقة الامريكية (2013) تزايد انتاج النفط الامريكي من النفط الصخري حتى عام 2020 قبل ان يعاود الانخفاض خلال العقدين التاليين كما يشير نفس السيناريو إلى تزايد انتاج الغاز الصخري على نحو مضطرد حتى عام 2040 ومن المتوقع ان تتحول الولايات المتحدة الى مصدرا صافيا للغاز الطبيعي في العشرينات من القرن الحالي.

احدى النتائج الاساسية لهذه الزيادة في انتاج النفط الامريكي هي ارتفاع الناتج المحلي الحقيقي في الولايات المتحدة بنحو 1.2% بعد 13 عاما فضلا عن زيادة فرص العمل بنسبة 0.5% كما يزيد الطلب المحلي 1.8% وسيحفز انخفاض كلفة الطاقة الشركات على توظيف المزيد من رؤوس الاموال والعمالة.

أما الطلب من الاقتصاديات الناشئة فقد استمر بالنمو، ولكن بوتيرة أضعف مما كان عليه في السنوات الماضية فالصين وحدها وهي اكبر مستورد للنفط العماني تحتاج كل عام إلى 300 ألف برميل إضافي في اليوم، ولكن هذه الزيادة من التنين الآسيوي قد ركدت وحتى انخفضت بنسبة بسيطة خلال 2014. ونشهد التوجه ذاته في كل من أفريقيا وأمريكا اللاتينية. أضافت أفريقيا إلى استهلاكها 100 ألف برميل في اليوم خلال 2013، ولكن النمو في طلبها سينخفض خلال عامي 2014 و2015. في حين أن الطلب في أمريكا اللاتينية ارتفع العام الماضي بـ 200 ألف برميل في اليوم، ولكن هذا الارتفاع سينخفض إلى 150 ألف برميل إضافي في اليوم في 2015.

ويرى التقرير ان اسعار النفط حافظت على مستويات فوق 100 دولار طوال الفترة الماضية لأن الأسواق كانت تمر بتقلبات على صعيدين، أولهما الضغوطات بسبب امكانية حدوث مواجهة بين القوى الدولية وهو ما قد يؤثر على الاستثمارات والتبادل التجاري الدولي. وثانياً، عدم الاستقرار الجيوسياسي حول العالم، أحدثها التوترات السياسية بين روسيا وأوروبا بسبب الأزمة الأوكرانية، ناهيك عن عدم الاستقرار الذي حدث العالم الماضي في شرق وجنوب بحر الصين، والتي تدخلت فيه كل من كوريا واليابان والفلبين وفيتنام والصين، ما أثر أيضاً على أسعار النفط.