متحف أرض اللبان.. إطلالة مشرقة على تاريخ مجيد

إعداد – عامر بن غانم الرواس –

يمثل متحف (أرض اللبان) في صلالة إطلالة شاملة على عُمان بمختلف مناطقها عبر الأزمنة، ويتكون المتحف من قاعتين الأولى قاعة التاريخ وتقدم موجزاً لتاريخ عُمان من خلال الشواهد الحضارية والأثرية للتراث العُماني، والثانية القاعة البحرية، وتقدم نماذج مصغرة للسفن العُمانية التقليدية وموجزاً لعلاقة العُمانيين بالبحر. ويوفر المتحف للزائرين والباحثين فرصة للتعرف على عُمان عبر تاريخها الطويل وتراثها البحري.


وتحتوي قاعة التاريخ على أقسام تاريخية وأولها قسم جغرافية عمان، حيث تتميز السلطنة بتنوع تضاريسها الجغرافية التي تبلغ سواحلها مع جزرها وخلجانها أكثر من 3,165 كم وبمساحتها التي تصل إلى 309,500 كم2 والتي جذبت إليها الهجرات السكانية عبر التاريخ كما يمثل موقع عُمان منطقة تماس حضاري، ساهمت فيه مع شعوب أخرى في صياغة الأحداث التاريخية الهامة التي شهدتها المنطقة.


وتنوعت مراكز الاستيطان في أرجاء مختلفة من عُمان منذ البدايات الأولى للحضارة الإنسانية المتمثلة بالصيد على السواحل، وإنسان العصر الحجري، ومع استقرار الإنسان وإتقانه للزراعة وتربية الحيوان والإنتاج البدائي لسد حاجاته من الغزل والنسيج والأواني الفخارية والأدوات المعدنية، ثم انتشار صناعة استخراج النحاس وممارسة التجارة مع بلاد الجوار وبلاد الرافدين والهند والصين قامت حضارة متعددة السمات كما تدل الشواهد والآثار في مختلف مناطق عُمان


أرض اللبان


ظلت ظفار (أرض اللبان) طوال العصور الماضية مصدراً رئيساً لإنتاج وتصدير أفضل وأجود أنواع اللبان، وقد أطلق على هذه الأرض مسميات عديدة مثل: أرض عاد، وبلاد بونت، وبلاد الشحر. وهناك اعتقاد سائد بأن الاحقاف التي ذكرها القرآن الكريم هي الأرض التي تقع فيها ظفار التي عرفها الفراعنة والفينيقيون والإغريق والرومان والفرس والهنود والصينيون ونعتوها بمسميات مختلفة وأقاموا معها علاقات تجارية ووصفوا ساحلها بشاطئ اللبان والبخور وكان الإغريق يسمون ساحلها عُمانا

وقبل أهل عُمان الإسلام طواعية، بعد أن وصلهم مبعوث الرسول صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص، ولذلك خلّد الرسول ذكراهم بدعائه “رحم الله أهل الغبيراء (أي أهل عُمان) آمنو بي ولم يروني” كما دعا الرسول لعُمان: “اللهم إهدهم، اللهم زدهم العفاف والكفاف والرضا بما قدرت لهم، اللهم وسع لهم وعليهم في ميرتهم، وكثر خيرهم من بحرهم، ولا تسلط عليهم عدواً من غيرهم”. وبقبولهم رسالة التوحيد، ساهم العُمانيون في نشر الإسلام عبر الفتوحات الإسلامية والمعاملات التجارية، وكان لهم دور بارز في علوم الفقه واللغة والبحار والأدب، وأعطوا بذلك عُمان هوية متميزة بالاستقلالية والتسامح.

نهضة عمان الحديثة

وتروي المحطات التاريخية المختارة في هذا القسم جوانب مختلفة من التاريخ العُماني ونماذج من الأحداث والوقائع التي كانت عُمان مسرحا لها أو كان العُمانيون طرفا فيها. فبحلول القرن الثامن عشر بسطت عُمان سيطرتها على أنحاء مختلفة من ضفتي الخليج وبحر العرب والساحل الشرقي لأفريقيا لتؤسس بذلك حضورها القوي في المحيط الهندي.

وأصبحت مسقط من أهم الموانئ العالمية بفضل مهارة أبنائها التجارية والبحرية، ومع تزايد الأطماع الخارجية بدأت مرحلة التراجع والانقسام تخيم على عُمان لفترة طويلة. وبعد عزلة امتدت طويلاً كان لعُمان موعد جديد مع التاريخ عندما قاد جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ــ حفظه الله ورعاه ــ عام 1970م النهضة العُمانية المعاصرة تحققت نقلة نوعية شملت كافة جوانب الحياة.


القاعة البحرية


تحتوي القاعة البحرية في المتحف على خمسة أقسام تتناول تراث عمان البحري وسيادتها البحرية عبر التاريخ وفي هذا القسم نطالع أن العُمانيين عرفوا الملاحة منذ أقدم عصور التاريخ، وبرز نشاطهم البحري في ظل الازدهار التجاري لحضارتي بلاد الرافدين ووادي الأندوس، وصولاً إلى إقامة شبكة علاقات منتظمة لقرون طويلة مع الهند والصين والساحل الشرقي الأفريقي وبلاد حوض البحر المتوسط ثم المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية.

كما تظهر محتويات القسم مفردات البيئة البحرية، ومهارات عمليات الإبحار، ومفاصل تاريخية هامة عن علاقة عُمان بالبحر. وتقف نماذج السفن العُمانية التقليدية في هذه القاعة شاهداً قويا على المهارة البحرية والإتقان في صناعة السفن، لخدمة كافة الأغراض التجارية في تلك العصور حتى العصر الحديث.

وقد مثل الموقع الجغرافي أحد العوامل الهامة في ارتباط العمانيين بالبحر الذي شكل لسكانها ولايزال أحد مصادر العيش وسبيلاً إلى التواصل مع الآخرين وإقامة علاقات متنوعة مع شعوب العالم.

ومن خلال استخدام الأدوات البدائية في عملية الصيد، تكونت علاقة وجدانية بالبحر في كل أرجاء عُمان على طول شواطئها الممتدة لأكثر من 3165 كيلومتراً والتي تجسّد التضاريس الجميلة والمتنوعة التي تتمتع بها عُمان والكم الهائل من الثروة السمكية المتوفرة في مختلف فصول السنة.

بناء القوارب والسفن الشراع

وترجع تقاليد ومهارات بناء السفن لدى العُمانيين إلى آلاف السنين وقد تطورت حسب حاجاتهم للتواصل مع حضارات الأمم القريبة والبعيدة، وذلك بفضل المواءمة بين ما وفرته البيئة العُمانية من الإمكانيات، وما أمكن الحصول عليه من الخارج من المواد المستوردة من السند وبلاد الرافدين، الأمر الذي مكّن العُمانيون من بناء السفن الشراعية المتنوعة، ولا يزال استخدامها قائماً في عدد من المناطق العُمانية

وتتطلب الملاحة الناجحة مهارات متنوعة لأن القبطان الماهر لايدرس فقط مواقع ومسارات النجوم والشمس والقمر في السماء لتحديد موقعه؛ ولكنه يراقب علامات وأدلة أخرى، أن لون الماء قد يكون مؤشراً للعمق والكائنات البحرية قد تساعده على تحديد موقعه. أما السحاب الذي غالباً ما يتجمع فوق اليابسة قد يستدل به على جزيرة قريبة أو شاطئ في الأفق القريب. إن عمق اليابسة قد يرسل نسيماً يهتدي به البحار إليها. حتى تفاعل السفينة وحركتها في البحر وتجاوبها مع نوع معين من الأمواج قد تساعد القبطان لاستقراء ماهو مقدم عليه، وكان البحارة القدامى يحملون معهم طيوراً في سفنهم لتمكنهم عند إطلاقها للاهتداء إلى اليابسة.

وتطورت الوسائل والأدوات التي كانت تستخدم في الإبحار من وسائل بدائية كاستخدام العين المجردة وأصابع اليد مروراً بالكمال والإسطرلاب، وصولاً إلى الأجهزة الحديثة مثل الأقمار الصناعية وأجهزة الاتصالات المتنوعة


التجارة البحرية

كان اللبان ينقل من موانئ سمهرم والبليد وريسوت، بينما ينقل النحاس من ميناء صحار إلى موانئ الحضارات القديمة في وادي النيل ووادي الإندوس وبلاد الرافدين والصين، وكانت السفن تعود بالذهب والتوابل والعاج والخشب والحرير، وهكذا شكلت تلك المواد مكونات للخطوط التجارية التي ربطت عُمان ببقية العالم.

وإلى جانب العلاقات التجارية ارتبطت عُمان بعلاقات سياسية ودبلوماسية وأرسلت بعثات للصداقة والتعاون ووقعت معاهدات تنظم تلك العلاقات.

وتشير بعض الوثائق الصينية إلى أن أول البحارة العرب الذين وصلوا إلى الصين كانوا من عُمان عام 750م كما أن احمد بن نعُمان الكعبي كان أول مبعوث عربي يصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1840م، كما أن السلطان سعيد بن تيمور كان أول حاكم عربي يزور الولايات المتحدة الأمريكية عام 1938م.