علي بن راشد المطاعني –
تعد قضية عاملات المنازل من القضايا التي تشغل المجتمع كغيره من المجتمعات الخليجية المستوردة للأيدي العاملة، وتتعدد قضاياهن من ارتفاع أسعارهن في المكاتب كأسعار الأسهم في الأسواق إلى تلاعب المكاتب بالكفلاء في خصم المبالغ في فترة التجربة أو الضمان المحددة بستة أشهر حسب الأنظمة الجديدة، وعدم ضبط إيقاع التعاملات مع شكاوى العاملات على نحو يحقق للكفيل أي حقوق تذكر حتى إن هروب العاملة وارتكابها أي أخطاء يكون تسفيرها بعد ضبطها بمثابة الهدية بدون أي مساءلة تذكر حول أسباب الهروب وما نتج عنه، والضرر الذي وقع على الكفلاء سواء ماديا أو معنويا الأمر الذي يوجب إيجاد حلول منطقية منصفة للجانبين على الأقل، فهذه الممارسات شجعت عصابات العاملات في منطقة الخليج على إدارتهن وفق أجندة أصبحت مكشوفة في بعض الأحيان وتتنوع من مشكلات البيوت إلى سرقتها وغيرها من أمور غير أخلاقية تهدد المجتمعات بأكملها.
فبلا شك إن قضايا ومشكلات العاملات من أعقد المشاكل التي تواجه المجتمعات الخليجية على الإطلاق، فكل يوم نسمع عن قضايا قتل أبرياء وتسميم الأطفال وخدش الحياء وغيرها مما تقشعر له الأبدان، إلا أن بعض القضايا يجب أن ينظر لها كجريمة يعاقب عليها القانون ألا وهي الهروب من المنازل تاركات خلفهن أطفالا رضعا في أعمار لا تتجاوز سنة بدون أي مبرر، فتجريم مثل هذه القضايا من الأهمية أن تأخذ وضعها لدى المشرع سواء العماني أو غيره، والقوانين الدولية يجب أن تجرم هروب المربية عن من هم في حاجة لرعاية كالأطفال، كما أن سفارات الدول الصديقة يجب أن تعي أن هناك مشكلات يجب أن تجرم بها العاملات كالهروب من المنازل بدون مبررات وما قد ينتج من حوادث مميتة خاصة إذا كان هناك ما يبرر هذا أو ذاك الهروب، بل إذا كانت العاملة لديها مشكلات مع الكفيل فعليها اتباع القنوات القانونية لعرض مشكلتها، واتباع الإجراءات، بدلا من هروبها وكأنها أخذت حقها إذا كان لها بيدها وهو ما لا يجيزه القانون في أي حال من الأحوال.
إن تمادي العاملات في الهروب في شكل جماعات تعمل (بارتايم) في الأحياء في النهار بساعات مخالفات بذلك قوانين العمل والإقامة في البلاد، ولكن عندما يُمسَك بها لا يطبق عليها القانون وإنما يطلب كفيلها لكي يسفرها إلى حيث أتت مكرّمة بدون أي سؤال، أين عملت وماذا عملت في فترة هروبها ولماذا لاذت بالفرار، لذا أصبحت مثل هذه الممارسات تشكل ميزة للعاملات تساعدها على القيام بذلك في ظل عدم المساءلة حتى أصبحت ظاهرة يكافَأن على هروبهن.
إن المواطن أصبح بين المطرقة والسندان كما يقال بين الرغبة في العاملة ومشكلاتها، في ظل خروج المرأة للعمل وتزايد المتطلبات المعيشية وغيرها أصبح الطلب على العاملات أمرا لا مناص منه، وهو ما أسهم في تفشي هذه الظواهر خاصة في ظل عدم وجود حاضنات في الأحياء وأماكن العمل وغيرها وصعوبة التكيف في هذا الشأن، والنظم والقوانين التي تحث المرأة على التوفيق بين العمل وتربية الأبناء، فهذه الإشكاليات أصبحت تؤرق المجتمع وهاجسا كل يوم نسمعه ونشاهد تبعاته ويحتاج إلى حلول عملية على الأقل تنصف المواطن من جور العاملات ومكاتب توريد الأيدي العاملة المنزلية.
بالطبع هناك تحديات كبيرة في هذا الشأن وهو العرض والطلب وكذلك اشتراطات الدول المصدرة للأيدي العاملة ومعاملة الكفلاء وغيرها، إلا أن وضع أطر قانونية تعاقب المخطئ سواء كان مواطنا أو عاملة خاصة في مسألة الهروب من المنزل وترك الرضع يلقون مصيرهم يجب اعتبارها جريمة يعاقب عليها القانون، والاحتكام إلى النظام في طلب الحقوق والواجبات وعدم التعدي كالهروب وأخذ الحقوق بالأيدي كما يقال وكما هو حاصل الآن، فضلا عن ضرورة وضع أطر أكثر تشددا تحد من ممارسات مكاتب الأيدي العاملة في استغلال الناس والتمادي في هذا الشأن لدرجة تكره المتعاملين معهم.
نأمل من الجهات المختصة تجريم هروب العاملات عن الأطفال من المنازل وتوعيتهن بهذا الشأن، وتضمين ذلك في عقود العمل، وأن يأخذ الجميع حقه، العامل وصاحب العمل بالقانون ومن خلال الطرق المعتادة وليس كما هو حاصل لما فيه من مخاطر تتجاوز كل الأعراف والقوانين التي تجرم مثل هذه السلوكيات.