التراث والثقافة تخطو حثيثا نحو مشروع رقمنة المخطوطات

في مشروع رائد من مشروعات الوزارة –

العمانية: تمثل الوثائق والمخطوطات صورة حية لنتاج الفكر الإنساني في مجالات العلم والمعرفة بشتى فنونها وفروعها وتوجد في السلطنة الكثير من الوثائق والمخطوطات المهمة والنادرة التي تضم مصنفات الفقهاء ودواوين الشعراء وتجارب العلماء واستنتاجاتهم وفيها تكمن روح الحياة الثقافية والمعرفية التي عاشها أولئك الصفوة من المؤلفين طوال القرون الماضية حيث ترجع أقدم مخطوطة الى القرن السادس الهجري.

وقد جاء اهتمام وزارة التراث والثقافة بجمع التراث الثقافي والفكري من خلال الحفاظ على المخطوطات والوثائق ومتعلقاتها باعتبارها موروثاً ثقافياً وتاريخياً يحمل في طياته الكثير من الأصالة فهو العصارة الفكرية للعقول والألباب الذي يزخر به التراث الثقافي للإنسان العماني.

ونظرا لأهمية الحفاظ على هذه المخطوطات باعتبارها تراثا فكريا ومعرفيا شرعت وزارة التراث والثقافة في مشروع (رقمنة المخطوطات) الذي يعتمد على تقنية تصوير المخطوطات بالشكل واللون الذي هي عليه للاحتفاظ بها كنسخ إلكترونية.

وحول مشروع رقمنة المخطوطات قال سعيد بن ناصر الناعبي مدير الدائرة الفنية بالمديرية العامة للوثائق والمخطوطات بوزارة التراث والثقافة «لقد تم حتى الآن تصوير ورقمنة 3950 مخطوطة من إجمالي 4836 مخطوطة موجودة بدار المخطوطات بوزارة التراث والثقافة كما تم تصوير ورقمنة 320 مخطوطة تابعة لبعض المكتبات الأهلية والخاصة ولبعض الأفراد».

موضحا أن فكرة المشروع أتت من المكانة التاريخية والأهمية العلمية التي تحتلها هذه المخطوطات حيث تحتوي على تراث الأمم وكنوزها المعرفية الأمر الذي يدفعنا إلى الاهتمام والعناية بها من التلف والضياع والانتفاع من محتواها وقيمتها الفكرية للأجيال القادمة لتبقى شاهداً على عراقة هذا البلد ودليلاً على هويته ولتوفير المادة العلمية والثقافية للباحثين والدارسين بشكل منظم وواضح وسهل.

وأضاف الناعبي: إنه استكمالاً لمنظومة حفظ وحماية المخطوطات من الجوانب الفنية فقد قامت الوزارة ممثلة بالدائرة الفنية بتطبيق نظام المصغرات الفيلمية (الميكروفيلم) وقد تم الانتهاء منه، كما تم تطبيق مشروع تصوير ورقمنة المخطوطات وكان ذلك مع بداية عام 2010م.

ويتم مسح وتصوير المخطوطات عبر الماسحات الضوئية للمخطوطات على ثلاث صيغ رقمية ولكل صيغة فوائد وخواص ومتوسط سعة يميزها عن غيرها من الصيغ أولها الصيغة الرقمية الخام (Tiff) حيث يتم تصوير المخطوطات بصيغ رقمية عالية الجودة طبق الأصل عن المخطوطة الأصلية ويتم حفظها على هذه الصيغة باعتبارها النسخة الأساسية للمخطوطة ويحتاج هذا النوع من التخزين للملف الواحد الى سعة 10 GB أما التصوير بالصيغة الرقمية (PDF) فتعتبر المخطوطة كنسخة احتياطية حيث تحتاج الى متوسط السعة للتخزين 700 MB أما الصيغة الثالثة فهي (JPEG) فتعتبر نسخة للباحثين ويتم استخدامها في الأعمال الفنية وتحتاج إلى سعة تخزين تبلغ 500 MB.

تجدر الإشارة الى أن هناك مخطوطات يصعب تصويرها نظرا لحالتها السيئة والقاعدة المعمول بها هي (حفظ وحماية المخطوطات) كوجود حموضة تؤدي إلى ضعف وتكسير أوراقها وبسبب سوء التجليد السابق وعدم وضوح جميع أحرف وكلمات المخطوطة مع عملية التصوير، ويتم قبل بدء عملية التصوير الاستعانة بموظفي قسم ترميم وتجليد المخطوطات للتدخل واسترجاعها للتصوير بعد معالجتها ولو بعد أشهر والتصوير مستمر بالنسبة للمخطوطات ذات الحالة الجيدة التي يمكن تصويرها.

ويمكن استعراض المخطوطات المرقمنة على الشبكة الداخلية للوزارة دون الحاجة للرجوع للمخطوط الأصلي وبذلك يقلل من إمكانية تعرضه للتلف نتيجة التصفح المستمر، وهذا الكم الهائل من المخطوطات يحتاج الى سعات تخزينية عالية وكبيرة لذا تم تخصيص وحدات تخزين خاصة (servers) لتحمل هذا الكم من المعلومات تصل سعة بعضها الى (8TB) موجودة في مركز نظم المعلومات بالوزارة ويتم استرجاع المعلومات منها متى ما دعت الحاجة.

وذكر الناعبي أن هناك ربطاً بين الفهرسة والتصوير الرقمي حيث تتم الفهرسة بالأصل والنسخ المصورة أيضاً وتتم فهرسة وأرشفة المخطوطات باستخدام برنامج إدارة الوثائق (File Net IBM) لتسهيل عملية البحث واسترجاع بيانات المخطوطة عن طريق عدد من الحقول وهي الرقم العام والعنوان والجزء وبداية ونهاية المخطوطة والمؤلف والناسخ وسنة النسخ والمحتوى. تتضمن المخطوطات عناوين متنوعة تشمل كافة العلوم والمعارف المعروفة وهي مخطوطات المصحف الشريف والتفسير ومخطوطات في الحديث كمسند الربيع بن حبيب الفراهيدي وصحيح البخاري والفقه وعلم التاريخ والطب والكيمياء والفلك وعلوم البحار واللغة العربية وآدابها والفلسفة الإسلامية.

وتهدف وزارة التراث والثقافة مستقبلا إلى نشر المخطوطات على شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) وفق ضوابط معتمدة بما يضمن أمن المخطوطات وحقوق الملكية للوزارة حيث إن نشر المخطوطات على الإنترنت من شأنه أن يثري المحتوى الإلكتروني العربي على شبكة المعلومات العالمية ويساهم في زيادة التعريف بكنز المخطوطات العمانية والنتاج الفكري العريق. ومن الخطط المستقبلية القريبة لوزارة التراث والثقافة عمل نسخة من هذه المخطوطات وحفظها في مكان آخر بعيداً عن الوزارة تحسباً لتعرض النسخ الموجودة بالوزارة لأي حدث طارئ ينتج عنه فقد المصورات الرقمية وفي هذا الشأن تتطلع الوزارة الى استكمال حفظ ما تبقى من مخطوطات.